القاهرة ـ وكالات
يحتفي المخرج نور الدين الخماري في فيلمه الجديد "زيرو"٬ الذي عرض الخميس في إطار فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بمراكش٬ بالخلاص وإمكانية التغيير نحو الأفضل من خلال الحب وإعادة النظر في الذات.يسعى الخماري في هذا الفيلم٬ الذي شارك في أداء أدواره نخبة من الممثلين المغاربة المعروفين أمثال محمد مجد وسعيد باي وصلاح الدين بنموسى وعزيز داداس ورفيق بوبكر وراوية وبشرى أهريش ومريم الزعيمي ووداد إلما، إلى الإعلاء من شأن الإرادة الإنسانية والحب في هذا التغيير٬ والوصول إلى الخلاص الإنساني من واقع اجتماعي صعب.وللاحتفاء بهذه القيم يختار الخماري قصة شرطي بسيط يدعى أمين برطال يلقب بـ "زيرو" (يونس بواب) ويعيش حياة روتينية ومبتذلة يقضيها في تلقي شكايات المتظلمين أو التجول في شوارع مدينة الدار البيضاء برفقة (ميمي). تطبع حياة زيرو اليومية أشكال من المعاناة تتمثل في صراعه الدائم مع والده المعاق وفي ضغوط ومشاكل الشغل. وأمام هذا الوضع المأساوي٬ يقرر "زيرو" بعد لقائه بالدكتورة (كنزة)٬ التي ستوقد بهجة الحب في روحه٬ تدشين مرحلة جديدة والقطع مع الماضي الموسوم بالخوف والعجز والدونية٬ في رحلة حافزها الروحي عشق ملتهب وغير متوقع ٬ للبحث عن فتاة في الخامسة عشر اختفت في "المدينة الوحش"٬ ليبدأ بذلك صراعا ضاريا ضد عالم بلا رحمة.بتقنيات تعتمد التشويق والسخرية السوداء وتوظيف لغة حوارية "سوقية مبتذلة وبذيئة وصادمة للعقل الجمعي"٬ وشخصيات تستمد خصوصيتها من عمقها الإنساني وثقافتها المحلية٬ يبرز الخماري٬ عبر خطاب نقدي لـ "واقع اجتماعي بئيس"٬ الضرورة الحيوية للأمل والإرادة لحث الشباب على الفكاك من إسار الخنوع والتشاؤم٬ والتطلع للعيش بشكل أفضل في جو من الحب والسعادة والوئام.هذه الخصوصية التي يتميز بها الأسلوب السينمائي للمخرج الخماري٬ الذي واصل ترسيخها في فيلمه الجديد من خلال الغوص في غياهب "الفيلم الأسود" البعيد عن الخطاب "الأخلاقي"٬ أثارت نقاشا نقديا في مهرجان مراكش بين رأي اعتبر أن الفيلم "غرق في لغة مجانية مبتذلة تخدش الحياء العام ٬ ولا تراعي الخصوصيات الثقافية والقيمية للمغاربة٬ ولا تستدعيها حتى المواقف الدرامية للشخصيات بغرض تجاري صرف٬ يراهن على النجاح الذي حققه فيلمه الأول (كازانيكرا)"٬ وبين رأي مخالف يرى أن الفيلم "كان جريئا وكسر تلك الطابوهات التي لا تعدو كونها نفاقا اجتماعيا ومحاولة يائسة لإخفاء واقع يفقأ العين".ويشكل هذا الفيلم الجزء الثاني ضمن ثلاثية الخماري حول الدار البيضاء٬ إذ تناول في الجزء الأول "كازانيكرا" موضوع الوحدة٬ فيما يعد الجزء الثاني تكريما للإرادة التي من شأنها أن تغير حياة المرء٬ أما الجزء الثالث فسيتخذ من الحب موضوعا له٬ كما أشار إلى ذلك المخرج نفسه. شارك في أدوار الفيلم عدد من الوجوه الجديدة التي تظهر لأول مرة على الشاشة الفضية من قبيل سونيا عكاشة (الطبيبة كنزة)، ومليكة حمداوي (عائشة بايدو)٬ ووداد إلما (نادية بايدو).واعتبر المخرج نور الدين الخماري فيلمه٬ نوعا من "العلاج بالصدمة ودعوة إلى التضحية والتساؤل والقيام بنقد ذاتي ٬ كفيل بالمساهمة في تطور المجتمع".وأضاف الخماري أمام الصحافيين عقب عرض عمله الجديد "أسعى من خلال فيلمي الى تحفيز الناس وحثهم على مواجهة الحقيقة والتأمل في أوضاعهم بشفافية وتجرد ٬ ومواجهة اختلالاتهم وعيوبهم بجرأة والكف عن إخفاء رؤوسهم في الرمال". وأكد الخماري الذي قال إنه ليس بصدد تقديم دروس لأحد أن "عملي السينمائي يقتضي فقط نقل الحقيقة كما هي ٬ وتقديم رؤيتي للأشياء٬ وهي الرؤية التي تناهض كل اتكالية أو قدرية حتمية".وحول اللغة "الجارحة" التي وظفها في فيلمه الجديد ٬ والتي لم يستسغها البعض٬ أوضح المخرج الذي يشدد على كونية الفن السابع أن "العنف في كل أشكاله حاضر بقوة في جميع المجتمعات ولا يقتصر على المغرب٬ فلماذا إذن نصم الآذان ونغلق العيون بدل محاولة تحمل مسؤليتنا والبحث عن الخلاص". ولم يخف الخماري شغفه بتسليط الضوء على مناطق العتمة في الحاضرة الاقتصاديةí¸ قائلا "الدار البيضاء بالنسبة لي متحف جميل٬ مدينة تمثل مغرب اليوم٬ بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والهوياتية".ذكر أن "زيرو" هو الفيلم الثالث الطويل للخماري٬ بعد فيلميه "النظرة" 2005 ٬ و"كازانيكرا" 2008. ولد الخماري عام 1964 بآسفي٬ ودرس في فرنسا الصيدلة لكنه سرعان ما تخلى عنها لتكريس نفسه لعشقه الأول السينما. نال الخماري أكثر من 21 جائزة من مهرجانات دولية٬ في جميع أنحاء العالم٬ عن فيلمه "كازانيكرا" ٬ قبل أن يمثل المغرب في جوائز الأوسكار عام 2010