توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غريغوار حداد يختصرنا جميعاً!

  مصر اليوم -

غريغوار حداد يختصرنا جميعاً

طلال سلمان

حين هوت كفّ الحقد الثقيلة بالصفعة المدوية على وجه المطران غريغوار حداد، أحس كل مَن رأى المشهد الفظيع بالمهانة... ولعل العرق خجلاً قد غمر وجوه الجميع: انتبهوا إلى أنهم، في كل مكان من لبنان، يقفون على شفا كارثة سياسية ـ اجتماعية ـ أخلاقية وطنية شاملة.

صار غريغوار حداد، في تلك اللحظة، وأكثر ممّا كان في أي يوم الناس جميعاً، بفضائلهم وحبّهم للخير وارتباطهم بأرضهم وأهلها، أهلهم.

لم تكن «حادثة فردية». لم يكن اعتداءً شخصياً نفّذه «موتور» ضد الرمز الأنقى للتسامح والحوار المفتوح والمجتمع المدني والتكافل الاجتماعي، بل كان لا بد أن يقرأه كل من رآه مباشرة أو سمع أو قرأ عنه وكأنه اعتداء فظّ على مجمل القيم الإنسانية وعلى بعض مكونات المجتمع الواحد لشعب واحد في وطن واحد.

إنه «التطرف» في موقع الهجوم الشرس إلى حد تدمير الذات.

إنه ذلك النوع من «الأصولية» الذي «يقتل» صاحبه في اللحظة التي يفترض فيها أنه «قتل» خصمه، و «يقتل» الوطن أو العقيدة أو المجتمع بينما هو يفترض أنه إنما كان يعمل لإنقاذه.

إنه العمى المطلق بالتعصب الذي يطلق روح الشر المدمّرة للأفكار والأحلام والروابط وصلات القربى والانتماء الواحد إلى «وطن واحد» له حاضر واحد ومستقبل واحد، بالضرورة وليس فقط بالمصلحة أو بالاضطرار.

إنّها الظاهرة المرضية الخطيرة التي تنهش المجتمع في لبنان، بقدر ما تنهش العديد من المجتمعات العربية الأخرى، والتي تتبدّى وكأنها «ضد الغير»، ولكنها سترتد حتماً ضد الذات فتدمّرها بوهم أنها بذلك إنما تدمر الغلط أو «الخروج على الأصول» أو «الكفر» والانجراف وراء الخطيئة والضلال المبين.

ما احتل التطرف الديني من مساحة إلا تلك التي تعجز «الدولة» عن ملء فراغها أو يخليها تدهور العمل السياسي الذي كثيراً ما اضطر في لبنان الحرب وما بعدها إلى التستر بالشعار الديني أو استعارته ولو مموهاً لكي يبقى على صلة ما «بالجماهير» التي دفعتها الخيبة وهزيمة مشروعها المدني إلى «الإيمان» عائدة إلى «الينابيع» في فجر المسيحية أو فجر الإسلام.

لا ينمو التطرف ولا يتعاظم تأثيره إلا في ظل الإفلاس السياسي: تراجع الدولة كمشروع توحيدي، أو انهيار العقائد والأفكار والمبادئ التي كانت تؤطر الجماهير وتدفعها لبناء جنتها على هذه الأرض.

إن العودة إلى الشعار الديني لا تعني أكثر من الارتداد نحو «المقدس» باعتباره «مخرج النجاة» من الهزيمة السياسية الاقتصادية الاجتماعية ومن ثم الأخلاقية.

فالتطرف هو ابن شرعي للفراغ السياسي، للهزيمة في المواجهة مع المشروع الصهيوني، للاندحار في مواجهة الغرب عموماً، وللعجز عن صياغة مشروع سياسي وطني عربي قابل للحياة.

إن التطرف الديني، وحيثما ظهر، سواء في بيئة إسلامية أو في بيئة مسيحية، هو شهادة على فشل النظام السياسي في بناء «الدولة» بوصفها الحاضنة الأولى والمرجع الأخير لجميع أبنائها الذين سينتقلون معها وبها من رعايا الطوائف والمذاهب (والعشائر) إلى مرتبة المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات.

ليس الاعتداء على المطران غريغوار حداد حادثة فردية طارئة أو خارجة عن سياق التحولات التي شهدها ويشهدها «مجتمع ما بعد الحرب» في لبنان، إذا ما سلّمنا جدلاً بأن «الحرب» فيه قد انتهت فعلاً.

إن الفصول الأكثر دموية في الحرب الأهلية في لبنان إنما كانت بين المتطرفين داخل الدين الواحد، بل داخل الطائفة الواحدة.

... وهي حروب ما زالت مستمرة، وإن كانت البنادق قد غابت عنها.

في هذه اللحظة على المجتمع أن يحمي نفسه، وأن يتحرك ليجبر الدولة على حماية وجودها بتأمينه ضد من يتجرأ على وحدته وحاضره وغده عبر الاعتداء على من يختصرنا جميعاً الآن: المطران غريغوار حداد.

مقتطفات من مقالة نشرت في «السفير» بتاريخ 17/06/2002

قضية المطران ـ الداعية ـ المؤمن حتى ليكاد يكون قديساً على حافة النبوة، ليست بحت «لاهوتية» بمعنى أنها تمسّ وبالتالي تخصّ رجال الكهنوت وحدهم، كذلك فهي ليست «طائفية» بمعنى أنها تمسّ وبالتالي تخصّ الروم الكاثوليك وحدهم،

إنها تتركّز في تلك النقطة التي تتقاطع فيها الأديان والمذاهب والطوائف جميعاً: الإيمان.

كما أنها تتصل بتلك العلاقة الجدلية الثابتة بين طموح الإنسان المشروع لغد أفضل لا بد أن تمرّ طريقه بحريّة الفكر، وبين النزعة المحافظة المعروفة عن رجال الدين عموماً، والتي تصل محافظتها في بعض اللحظات إلى عداء حقيقي للاجتهاد والمجتهدين وللرغبة في الوصول إلى الإيمان بالقناعة عبر المناقشة والاختيار والفكر المفتوح وليس بتقديس السلفية والطقوسية وكل تقليد موروث.

ولقد سبق أن تعرّض العديد من رجال الدين المسيحيين والمسلمين، وفي عصور مختلفة، لمثل ما يتعرّض له المطران حداد اليوم، وصدرت بحق بعضهم أحكامٌ بالحرم أو بالعزل أو بكسر الرتبة. لكن تاريخ الطموح الإنساني المشروع للأمثل والأكمل والأسمى أثبت أسماءهم في سجله كمنارات فكرية أو كعلامات نضالية على الطريق إلى حياة أكرم لبني البشر لا يمكن أن يكون في توفرها ما يغضب الله، جل جلاله، أو يشكل خروجاً على تعاليم الأديان السماوية.

 

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غريغوار حداد يختصرنا جميعاً غريغوار حداد يختصرنا جميعاً



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon