توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بين الديمقراطية بالعسكر والحزب الواحد

  مصر اليوم -

بين الديمقراطية بالعسكر والحزب الواحد

طلال سلمان

ليس فى المنطقة العربية جميعا، بمشرقها ومغربها، حياة سياسية كالتى نقرأ عنها أو نشاهد بعض معاركها فى وسائل الإعلام العالمى وكلها تدور حول برامج وخطط طريق للتقدم عبر المنافسة الديمقراطية بسلاح «الصندوقة» أى أصوات الناخبين.
الحزب «السياسى» الوحيد القائم فى دنيانا هو «حزب الحاكم»، والحاكم الفعلى ــ حتى إشعار آخر ــ هو «الجيش»، أما المكتب السياسى لهذا الحزب فيتمثل فى المخابرات، أساسا، ومعها سائر الأجهزة الأمنية.
حتى فى البلاد التى اغتنى تاريخها السياسى بتجارب الأحزاب ذات المبادئ المبشرة بغد عربى مشرق يقوم على ركائز الوحدة والحرية والاشتراكية أو الحرية والاشتراكية والوحدة، انتهى الصراع على الحكم بتسلم الجيش، مباشرة أو مداورة، السلطة كل السلطة، مستبقيا الشعارات الحزبية زاهية ومرفرفة فوق مقار فخمة.
أما فى الممالك وما شابه فالحكم للأسر المالكة تحكم باسم الله والنسب الشريف، أو باسم الله والسيف وإن غطت سلطتها بالشريعة.. والذهب.
•••
فى مجال موجبات حماية السلطة لا يختلف الأمر فى الجمهوريات عنه فى الممالك، فمن لا يخضعه السيف يتكفل به الذهب و«الحزب الحاكم» بما هو مصدر المنافع والامتيازات سواء لمن فى السلطة أو خارجها.
هذا الواقع هو نتيجة لتطورات دراماتيكية طرأت على الأنظمة العربية بعد «النكبة» التى أفضت إلى الاحتلال الإسرائيلى لأرض فلسطين، فى العام 1948، و«النكبة» هى التسمية القدرية للهزيمة العربية المدوية. بسبب من طبيعة هذه «الأنظمة» التى سلمها «الاستعمار» فرنسيا كما فى سوريا ولبنان، أو بريطانيا كما فى العراق وسائر أنحاء الخليج التى لم تكن قد عرفت الدولة بعد، «دولا» ليست بدول، فاحتفت قيادات النضال ضد الاستعمار بهذا الإنجاز التاريخى وتولت مقاليد الحكم فى «دول» ملغمة بالخلافات على الحدود مع «الأهل» فى الجانب الآخر من الحدود (كما الحال بين سوريا والأردن، وسوريا ولبنان) أو باختلاف الأنظمة والولاءات (جمهورية فى سوريا، ملكية فى الأردن والعراق) بحكم اختلاف المستعمرين.
عبر هذه الخلافات، وبفضلها، أقيمت، على عجل، «دولة» فى بعض البادية السورية (إمارة مشرقى الأردن) سرعان ما تحولت بفضل النكبة ونتيجة لها إلى «المملكة الأردنية الهاشمية»...
فتحت «النكبة» الباب عريضا أمام الجيوش الوليدة والتى تعرضت لهزيمة مريرة، كانت مؤكدة فى أى حساب، للارتداد نحو الأنظمة الحاكمة فى قصور العواصم، والتى أوفدتها إلى حرب مع عدو تجهل الحد الأدنى من المعلومات الجدية عنه، وبالتحديد عن «عصاباته» التى سوف تشكل عبر الحرب أقوى جيوش المنطقة.
وهكذا وجدت الجيوش مبررا مقبولا، بل ومشرفا، للانقضاض على قصور الحكم وخلع المسئولين عن الهزيمة، وها هى تتولى السلطة، مباشرة أو عبر واجهة مدنية، حزبية فى الغالب، منذ أكثر من ستين سنة.
خلال السنوات العشر التى أعقبت الهزيمة فى فلسطين توالت الانقلابات العسكرية فى سوريا، خصوصا وقد أمكن لبعض الضباط أن ينشئوا «علاقات تآمرية» مع بعض الأحزاب السياسية التى وفرت لهم قدرا من الغطاء الشعبى.. لكن ذلك لم يؤد إلى إقامة «دولة» بطبيعة الحال. ربما لهذا، بين أسباب عديدة أخرى لا مجال لتفصيلها وجدت السلطة القائمة أن مخرجها من مأزق العجز عن إدارة البلاد هو دمج سوريا فى مصر جمال عبدالناصر فى العام 1958 وكان قد بات زعيم الأمة.
بعد خمسة شهور فقط من هذا الحدث المحورى أسقط الجيش العراقى الحكم الملكى الهاشمى فى بغداد، فى 14 يوليو 1958، وقد فضل قائده الزعيم عبدالكريم قاسم التحالف مع الشيوعيين، تمهيدا لتصفية «الشريك القومى» فى الثورة، ممثلا بعبدالسلام عارف ومعه «البعثيون» و«القوميون العرب»، مجهضا الأحلام بانضمام العراق إلى دولة الوحدة. ومنذ ذلك اليوم وحتى سقوط بغداد أمام الغزو الأمريكى المغطى بمشاركة عربية عسكرية، ظلت المخابرات وخلفها الجيش هى الركيزة الفعلية لصدام حسين، مما أغواه بشن الحرب على إيران فلما خرج منها «منتصرا» فوجئ بأن من مولوا حربه قد انفضوا من حوله فكان أن غزا جارته الغنية الكويت.. وكان ذلك المدخل إلى شن حرب أمريكية بمشاركة عربية، على العراق، انتهت بإسقاط العراق جميعا وليس صدام حسين فحسب.
••
فى العام 1961 أسقط الجيش السورى (فى غمرة مؤامرة واسعة النطاق كان بين أطرافها سوء الإدارة المصرية) دولة الوحدة، وعاد إلى السلطة عبر سلسلة من الانقلابات لم تتوقف فعليا إلا عندما قفز إلى القيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد (سنة 1970) بعدما أعاد تركيب الجيش والأجهزة الأمنية ليستمر حكمه ثلاثين سنة كاملة.. ثم وفر، قبل رحيله، شروط تأمين الخلافة لنجله بشار حافظ الأسد.
فى العام 1962 كان الانتصار البهى لثورة الجزائر التى قادها جيش التحرير. وكان بديهيا أن يتولى الجيش زمام الحكم، لأنه «الجسم السياسى» الوحيد المتماسك... ثم كان «طبيعيا» أن ينقلب جيش التحرير، بقيادته الميدانية، على الرئيس المنتخب احمد بن بلا الآتى من سجن فرنسى طويل، وفى حال من الغربة عن الجيش.. وما زال هذا الجيش هو الحاكم الفعلى، وان اختار أحيانا واجهة مدنية.
فى العام 1962 أيضا قام الجيش اليمنى، ضئيل الإمكانات والعدد بخلع الإمام البدر بن الإمام احمد حميد الدين، الذى كان قد حجر على اليمن فى القرون الوسطى. وقد هبت مصر عبدالناصر لمساعدة «الثورة».. وكان بديهيا أن يقع التصادم مع السعودية. ثم كان أن استقل جنوب اليمن، وأقيمت فيه دولة على عجل، حماها الاتحاد السوفييتى، حتى إذا ما سقط النظام الشيوعى وعادت روسيا إلى حجمها، سقط النظام الذى بدأ قوميا وانتهى شيوعيا، وأخذ الجنوب إلى دولة الشمال قهرا.. وها هى الحرب الأهلية تهدد اليمن جميعا اليوم.
•••
تمكن الإشارة إلى أن العسكر يحكم السودان منذ دهر، بعد حقبة قصيرة من الحكم المدنى، بالاستناد إلى الإخوان المسلمين.
كذلك فقد حكم العسكر ليبيا منذ «ثورة الفاتح» التى قادها الملازم «معمر القذافى».. وهو سرعان ما احتكر السلطة جميعا لمدة 41 عاما متصلة انتهت بثورة شعبية أفضت إلى فوضى دموية تنهش لحم ليبيا عبر صراع دموى مفتوح بين بقايا الجيش الذى حله القذافى وبين تنظيمات سياسية ظلت ضعيفة ومطاردة على الدوام أبرزها الإخوان المسلمون.
وفى تونس التى حكمها الحبيب بورقيبة لأكثر من ثلاثين سنة، قفز جنرال المخابرات زين العابدين بن على إلى السلطة، فأزاح «المجاهد الأكبر» ليحكم عشرين سنة تقريبا حتى كانت انتفاضة البوعزيزى، التى باتت تعتبر فجر التغيير فى الوطن العربى، فأسقط بن على وقام فيها حكم ائتلافى للإخوان المسلمين مركز الصدارة فيه.. وما زال الوضع مفتوحا على احتمالات شتى، وإن كان مما يزيد فى عمره أن لا جيش فى تونس، بالمعنى المألوف.
هل هى عودة الجيش إلى السلطة بثياب مدنية مدعوما بانتخابات شعبية من الصعب الطعن بديمقراطيتها (كما فى مصر)؟ أو الحديث عن بديل من الجيش فى بلد معطلة الحياة السياسية فيه (مثل سوريا)؟
•••
لقد خلع المشير السيسى البزة العسكرية، ووصل إلى السدة باستفتاء شعبى يصعب الطعن بنتائجه، مع أن الظروف المحيطة بهذا الوصول استثنائية تماما، فهو قد تنازل عن إمرة الجيش بعدما دعم تحصينه ومنع خلع قيادته إلا بشروط يصعب توفيرها. لكنه فى نهاية الأمر عسكرى بتاريخه وبموقعه الذى غادره.
كذلك فإن الرئيس السورى بشار الأسد الذى خلع البزة العسكرية مازال يحتفظ برتبته المميزة ــ عسكريا ــ فضلا عن كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة.
فى انتظار أن يستعيد المجتمع وعيه وتنجح نخبه فى بناء حركة شعبية ذات برامج تلبى تطلعات الشعب إلى حكم قادر على الانجاز، سيظل الجيش وحده قوة التغيير، وبالتالى المؤهل للحكم.. ولو بثياب مدنية.

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين الديمقراطية بالعسكر والحزب الواحد بين الديمقراطية بالعسكر والحزب الواحد



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon