توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إسقاط الدولة بتمزيق التاريخ والجغرافيا

  مصر اليوم -

إسقاط الدولة بتمزيق التاريخ والجغرافيا

طلال سلمان


قُضِيَ الأمر، وأسقطت صفة «الدولة» عن بعض الكيانات السياسية القائمة في المشرق العربي.
تجاوزت المخاطر على المستقبل في هذه الكيانات حدود «اللبننة» منذرة بحروب مفتوحة بين وعلى مكوّنات هذه الأرض التي كانت مهد التاريخ.. تواكبها عروض سخية من دول أجنبية «لاستضافة» المتحدرين من أعراق الشعوب التي بنت المدماك الأول في الحضارة الإنسانية، كتشهير إضافي بأهلهم الذين كانوا أهلهم قبل «الدول» وبعدها.
تلامس المخاطر الآن هوية الأرض وناسها، خصوصاً مع تعاظم عمليات الخروج الاضطراري بالخوف أو التهجير بالأمر، لا سيما بالنسبة لأقليات عرقية ودينية سابقة على الأديان السماوية جميعاً، أعطت أوطانها شرف الادِّعاء بأنها مهد الحضارة الإنسانية.
وعلى فظاعة النتائج التي انتهت إليها الحرب/ الحروب الأهلية/ العربية/ الدولية في لبنان فإنها لم تبدِّل في هويته ولا في كيانه، بل اقتصر التعديل على نظامه السياسي، وبعض التشوّه في المفاهيم والقيم بغض النظر عن قصور هذا التبديل عن مطامح أهله إلى الوحدة والديموقراطية والحكم السويّ.
في حين أن «التشليع» الذي تتعرض له «الدولة» في كل من سوريا والعراق (ولننسَ ليبيا مؤقتاً والسودان قبلها)، لا يهدد الكيان السياسي فحسب بل يمزق النسيج الاجتماعي للشعب ويبدّل في هويته فضلاً عن تسببه في طرد عناصر مكوّنة للدولة بأرضها وشعبها الذي كان شعبها وإن ظل ينظر إلى نفسه كمغدور به حين جرى تقسيمه وتشطيره وتوزيعه على دول عدة فضُربت وحدته واختلّ نسيجه وبالتالي توازنه النفسي وتسليمه بهويته السياسية (المقررة له) كحافظة لتاريخه في أرضه.
لقد بدأت دول العالم، لا سيما الكبرى منها، تتعامل مع هذه المنطقة وكأنها أرض مشاع لا «دول» حقيقية فيها بل مجموعات من البشر لا يربط بينها رابط من التاريخ والأرض ووحدة المصير..
بالمقابل فإن «الشعب» في هذه الدول ظل أشبه بمن يحمل جنسية قيد الدرس، فمواطنيته شرط ولائه للنظام، أما الجيش فقد اشترط فيه وعليه أن يكون جيش النظام وليس الدولة.. والمؤسسات التشريعية لا تمثل ـ فعلاً ـ الشعب الواحد الموحّد بل هي، في الغالب الأعمّ، تجميعات وتكوينات مركبة وفق الحاجة، تصطنع لتشويه إرادته وتعميق انقساماته التي تصبح شرطاً لاستمرار النظام ودوام الهيمنة على الحكم بذريعة تأمين الاستقرار كشرط لبناء الغد الأفضل.
لقد أُسقطت داعش على دولتين عربيتين كانت عاصمتاهما مركز القرار الكوني في بعض حقبات التاريخ الإنساني، ثم انتهى بهما الزمان إلى أن تنشأ في أرض كل منهما «دولة» لا تشبه تاريخها، مثقلة بذكريات المجد الذي كان كما بوقائع الحاضر الذي لا يفتح الباب للمستقبل المنشود والذي صار في خانة الأحلام: الوحدة التي تصنع الدولة القوية لشعب مؤهّل لصناعة الغد الأفضل.
.. وكان أن فُتح بطن التاريخ بالسيف، ومزقت الجغرافيا بطوابير الغزو الآتية من الجاهلية، فتعاظم تصدّع الدولتين المنهكتين بالشقاق الداخلي الذي أخرج إلى السطح كل المطموس من أسباب الخلاف الذي كان وما زال في أصله سياسياً ولكنه اتخذ عبر الصراع لبوساً طائفية ومذهبية وعرقية.. فتفكك الكيان أو كاد، وأصاب العطب الوحدة الوطنية فاجتاحتها الفتنة... وهكذا صار الطريق مفتوحاً أمام داعش، وبالأساس أمام «الدول» بالقيادة الأميركية لتعيد تقديم نفسها كضامنة للكيان وكذلك للأقليات، عرقية وطائفية، من فوق رأس النظام المنخرط في حرب أهلية مفتوحة، ممّا تسبّبت في عجزه عن صد اجتياحات داعش لمناطق شاسعة ولمدن كانت بين الأبهى من عواصم الحضارة الإنسانية وحركة الثورة الشعبية من أجل الوحدة والتقدم.
وكان بديهياً أن يدب الذعر في سائر دول المشرق العربي، خصوصاً وأن بعضها قد أقيم على بئر نفط وبعضها على خزان غاز، في حين أن داعش يزعم لنفسه أنه الأصل في «السلفية» التي تقوم عليها الدولة الأكبر والأخطر في المنطقة.
مع ذلك فليس في الأفق ما يؤمل بتوحيد الجهد لمواجهة الاجتياح الداعشي، وإن كان الجميع قد «بايع» واشنطن في إعداد الخطة وقيادة الهجوم المضاد، من الجو أو من البحر أو من البر، لا فرق، المهم حماية «النظام» لا البلاد ووحدة الشعب.
وليس جديداً في السياسة العربية أن تستعين الأنظمة بالخارج على الداخل، وأن تلجأ إلى المهيمن الأكبر لمواجهة الخطر الطارئ الزاحف الآن، تحت رايات داعش على المشرق العربي بهدف... هدايته وذلك بإعادته إلى الجاهلية بالسيف!
الماضي لن يعود، والمستقبل سيكون النقيض الأسوأ من الحاضر، وسيُفرض على شعوب هذه الأرض أن يحلموا بالدولة، مرة أخرى، ومعها القرار المستقل في بناء الغد الأفضل.

 

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إسقاط الدولة بتمزيق التاريخ والجغرافيا إسقاط الدولة بتمزيق التاريخ والجغرافيا



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon