توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لماذا تنفجر الائتلافات والتكتلات والتحالفات؟

  مصر اليوم -

لماذا تنفجر الائتلافات والتكتلات والتحالفات

معتز بالله عبد الفتاح

هل هى مصادفة أن يزيد انقسام العرب بهذه الدرجة على أنفسهم؟ هل هى مصادفة أن يحدث هذا الانقسام بين فتح وحماس ويهود العالم وحلفاؤهم يزدادون وحدة فى مواجهتنا؟ وحتى على المستوى المحلى، وحتى قبل ٢٥ يناير ٢٠١١، هل كانت مصادفة أن تنقسم حركة كفاية فى مصر على نفسها؟ هل هى مصادفة أن يتم إطلاق النار من بعض الوفديين ضد بعض الوفديين فى مقر حزب الوفد الليبرالى؟ وها نحن نواجه تساؤلات جادة بشأن مدى إمكانية تكوين تحالف أو ائتلاف أو تكتل فى البرلمان المقبل؟ إذن من الممكن أن نتفق على وجود هذا الخلل على مستويات متنوعة من الفشل فى العمل الجماعى، وهى معضلة اعتنى بها علماء كثيرون وكُتبت فيها مؤلفات متعددة فى علوم الاجتماع والسياسة وإدارة الأعمال لخطورتها على مستقبل المجتمع والدولة والشركات.

يمكن من حيث المبدأ رصد ثلاثة مداخل مهمة لفهم ماذا يحدث لنا:

1- مدخل نفسى سيكولوجى: ينظر لفشل العمل الجماعى بعين العوار الوارد على بعض الأشخاص الذين يعانون فقراً فى الإحساس بالأمان الذاتى والرغبة الشديدة فى الزعامة والسيطرة، واعتبار أن جلوسهم على مواقع السلطة والسيطرة على مفاتيح التنظيمات التى يشغلونها يشبع غريزة تحقيق الذات، وهى غريزة لا تقل فى سطوتها عن غريزة الطعام والشراب كما ذهب (Harold Lasswell) الذى رصد فى مؤلفاته عشرات الأمثلة لأشخاص كانوا بلا حيثية أو مكانة اجتماعية فكان قرارهم بأن يصلوا إلى موقع الزعامة والسيطرة وإلا فسيعملون على تدمير التنظيم من داخله بمنطقنا الشعبى القائل «إما فيها أو أخفيها». وهناك ثلاثة مظاهر لشعور البعض بعدم الأمان الذاتى والرغبة فى تدمير أى عمل جماعى لا يكونون على قمته:

أولاً: يرفض هؤلاء أن يُمدح شخصٌ لإنجاز حققه لأنهم يعتبرون أن نجاح أى شخص أو تنظيم إهانة مباشرة لهم، لأنهم يعيشون بمنطق «الناجح الأوحد».

ثانياً: الرغبة فى أن يكون فى كل المناصب وكل اللجان وكل الوظائف فى كل الوقت بل ويتفاخر بتعدد الألقاب والمناصب لما تشبعه فى الشخص من نهم للسلطة والشعور بالقدرة على التحكم فى مصائر الآخرين.

وثالثاً: هناك الرفض الشديد لتفويض الآخرين فى القيام بمهام يمكن أن يكون لها عائد لا يمكن أن ينسب للشخص الباحث عن السلطة والسيطرة، والسعى الشديد لتحميل الآخرين مسئولية أخطائه هو، فهو دائماً يسعى لأن يكون النجاح منسوباً له ويكون الفشل منسوباً للآخرين، فلا يستقيل عن منصب تولاه نتيجة شعور ذاتى بالخطأ وإنما مدفوعاً بقوة أكبر منه.

2- مدخل اجتماعى سوسيولوجى: تفكك تنظيماتنا الاجتماعية والسياسية من وجهة نظر علم الاجتماع يرتبط مباشرة بظاهرة التفكك الاجتماعى، التى ناقشها ابن خلدون حين تحدث عن «العصبية الاجتماعية» كمصدر للقوة والغلبة والتمكن.

وهو نفس المفهوم الذى تبناه إميل دور كايم حين ناقش نوعين من التماسك بين البشر فى جماعات ومجتمعات:

التماسك التلقائى أو الفطرى القائم على علاقات غير اختيارية، مثل تماسك وتضامن أبناء الأسرة أو القبيلة الواحدة الذى يسيطر على المجتمعات التى لم تشهد تطوراً كبيراً ولا تشعباً وتعقيداً لمنظومة المكانات الاجتماعية والوظائف والمهن والمؤسسات، والتماسك العضوى أو المؤسسى المبنى على المصلحة المشتركة وتقاسم الأدوار (العضوى) وهو تماسك يتطور بتطور المجتمعات وتعدد مؤسساتها ومختلف مكوناتها، حيث يجتمع الأفراد لا حول الروابط الدموية أو الجيرة فحسب، وإنما حول الأيديولوجيات (أحزاب، نقابات على سبيل المثال)، والاختصاصات، والمهن، والقضايا المتعددة التى تتكاثر بفعل التطور اللانهائى للمجتمعات العصرية.

والحقيقة أن أى مجتمع ناجح يجمع بالضرورة بين نوعى التماسك المشار إليهما، ومن هنا، مثلا، جاء التوجيه القرآنى فى أطول آية من آى القرآن الكريم ومن آخر ما نزل من القرآن (الآية 282 من سورة البقرة) بكتابة الدين (أى عقود الديون والتجارة وغيرهما) بأدق تفاصيل ممكنة ومهما كانت ظروف الدائن والمدين وهى آية مفتاحية، لأنها تعلم المسلمين توثيق عهودهم وعقودهم وعلاقاتهم ومدايناتهم بالكتابة والإشهاد وهو ما لا تستقيم بغيره حياة اجتماعية سليمة، وهو نفس القرآن الكريم الذى حث المسلمين على التضامن الفطرى والتلقائى من خلال حثه لنا ألا ننسى الفضل بيننا وتذكيرنا بأنه من تطوع خيراً فهو خيرٌ له، والعطف على الفقير والمسكين واليتيم وعابر السبيل وكل ذى حاجة.

المشكلة فى مصر ومنطقتنا العربية أن التماسك التلقائى تراجع بشدة، فى حين أن التماسك العضوى أو المؤسسى لم يحل محله، فهناك تراجع كبير فى رأسمالنا التلقائى القائم على القيم التقليدية، حيث ينحسر احترام الكبير والعطف على الصغير ومعرفة حق العالم على المتعلم (أى صور التماسك التلقائى) وفى نفس الوقت لا نشهد زيادة فى رأسمالنا المؤسسى، حيث يتراجع احترام القانون وأخلاقيات المهنة وأصول العمل المؤسسى (سواء فى الجامعة أو النقابة أو الحزب)، فلا عدنا كما كنا فى الماضى ولا صرنا إلى ما ذهب إليه أبناء الحضارات الأخرى.

3- مدخل سياسى أيديولوجى: غياب الأطر المؤسسية لتحديد من يحصل على ماذا ومتى وكيف ولماذا، فينتهى الأمر بمغالبة ميكيافيلية بلا ضوابط مسبقة، وإنما اقتلاع شخص لآخر أو شلة لأخرى، وهذه واحدة من فضائل دولة القانون سواء وجدت فى نظم ديمقراطية أو غير ديمقراطية، حيث توجد قواعد مؤسسية حاكمة للجميع تجعلنا مهما اختلفنا نعمل فى إطار من القانون والبحث عن الحلول الوسط، حتى لا تنفجر التنظيمات بما يعود بالسلب على الجميع، فبدلاً من تقاسم النجاح نتنافس فى توزيع الفشل وإلقاء اللوم على الآخرين، وهى مسألة لا يولد الإنسان بها وإنما هى تُكتسب كمهارات القراءة والكتابة والحساب، ولهذا حرصت المجتمعات الأكثر تقدماً على أن تدرب النشء فيها على هذه القيم منذ دخولهم المدرسة، فيتعلم التلاميذ فى المدارس كيف يتخذون قراراتهم بالتشاور وتحديد البدائل، والسعى للجمع بين البدائل المتعارضة فى بدائل مستحدثة تجمع أكثر من بديل فى صورة حلول وسط، ثم التصويت واحترام قرار الأغلبية بل ومعاقبة من يخرج على هذه التقاليد الديمقراطية، هنا يتدرب التلاميذ على كيفية الحياة فى ظل تنظيمات لا يمكن لهم أن يسيطروا عليها، وإنما عليهم أن يتعايشوا فى ظلها، وقطعاً هذه تقاليد ليست مصرية أو عربية، إلا فيما ندر.

ورغماً عن أن ظاهرة انفجار التنظيمات من الداخل تعود إلى تاريخ طويل، لكن الأمور اتجهت نحو الأسوأ فى ظل التقاليد التى تربى فيها مواطنو وسياسيو مصر المعاصرون وما رسخته من قيم التزلف للسلطة ومداهنة القائمين على شئونها ونعت المخالفين بصفات الرجعية والتخلف واعتبار مخالفتهم فى الرأى مساساً بكرامتهم، وهو ما نلمسه فى سياسيين يدعون للديمقراطية وهم أمثلة صارخة فى الاستبداد على المستوى الأسرى والمهنى والسياسى، إن مستقبلنا يمكن أن نقرأه من حاضرنا كما أن حاضرنا يمكن فهمه من ماضينا.

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا تنفجر الائتلافات والتكتلات والتحالفات لماذا تنفجر الائتلافات والتكتلات والتحالفات



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon