معتز بالله عبد الفتاح
ويبدو وكأننا لا نتعلم من أخطائنا. تجد البعض يقول: «مرشحين رئاسة؟ هو فيه مرشحين رئاسة؟ دول مرشحين رئاسة دول؟». «انتخابات؟ انتخابات مين يا عم؟ دى مسرحية؟ يا راجل، كبّر دماغك».. عبارات نسمعها من قبَل بعض الأصدقاء الذين يظنون أن الكون إما يسير على مزاجهم أو لا يسير بالنسبة لهم، وأنهم سيقاطعون الانتخابات حتى يظهر لهم «المرشح السوبرمان»، المرشح الذى سيبنى لنا مستشفيات ومدارس ويقول للعفاريت حابس حابس. هذه هى المثالية العدمية التى تتناقض مع منطق الحياة القائم على أن المعقول الممكن خير من الأمثل المستحيل.
يتوعد البعض بأنهم لن يشاركوا فى الانتخابات إلا حين يكون المرشحون على مستوى «سعد زغلول» أو «جمال عبدالناصر». هؤلاء لم يولدوا بالزعامة التى انتهوا إليها، وإنما كان إنجازهم نتيجة اجتهادهم وتفاعلهم مع بيئتهم على مدى فترة طويلة من الكفاح والتجربة والخطر. بل إن من يقرأ قصة حياة كبار المخترعين فى العالم سيكتشف أنها مليئة بالإحباط والمحاولات الفاشلة.
هناك من يرى أن ما يحدث على أرض الواقع ليس فقط أقل مما يريدون ولكنه عكس ما يريدون. نصيحتى أن يعيدوا النظر فى «ما يريدون» وأن يعملوا الممكن والمتاح وليس أن يأخذوا الكرسى المريح الذى يرسلون منه رسائل الرفض والشجب والاستنكار دون تقديم بديل عقلانى مقبول لدى أغلب المصريين.
النظرة المثالية المبالغة فى الرومانسية للحياة تنتهى بك إلى ألا تفعل شيئاً إلا تشويه الحاضر وتشويه كل الموجودين فيه على نمط قصة «المرتبة المقعرة» التى كتبها د. يوسف إدريس، والتى جسد فيها لنا شخصاً يحب الحياة ويكره أن يعمل لها. فقد رأى العالم من حوله فاسداً وقميئاً ولا يتناسب مع معاييره الأخلاقية المثالية فقرر أن ينفصل عنه إلى أن يتغير هذا العالم المتوحش، فانتهى إلى عدمية مقيتة. نام الرجل على سريره وطلب من زوجته ألا توقظه إلا إذا تغير العالم. هذه القصة تقول إن العالم يتغير حينما نساهم فى تغييره. وعليه فهناك نوع من البشر يغير العالم الذى يعيش فيه، وهناك آخرون يتساءلون ما الذى يتغير، وهناك من لا يعرفون حتى إذا كان هناك شىء تغير أم لا. معلوماتى أن جهوداً تُبذل من أجل تأمين العملية الانتخابية داخلها وخارجها، وقد فوجئت أنا شخصياً بعدد الجنود الذين سيتم رصدهم لتأمينها داخل وخارج اللجان. والأهم من ذلك أن الحامى الأكبر لمصر هم أهل مصر ونزولهم الكثيف لساحة العمل السياسى فى كل بقاعه. وكما أن المال السايب يعلم السرقة، فإن الشعب الكسول يعلم الاستبداد. والسرقة والاستبداد يأتيان من المثالية المفضية للعدمية ومن اللاوعى المفضى إلى اللافعل. فى النهاية هذه هى مصر، وهذه هى قواها السياسية. وإلى شباب الثورة تحديداً، وبالذات أولئك الذين شاركوا فى الثورة ولم يشاركوا فى خصخصتها، أنتم أصحاب الفرح. لولاكم ولولا تضحياتكم لما أصبح من حقنا أن نختار من يحكمنا. انزلوا لإثبات وجودكم وحضوركم وحقكم وانتصاركم، لا تنسحبوا من ماراثون الإصلاح لأنكم خسرتم جولة، طوروا أدوات جديدة للتعامل مع واقع جديد. تخيروا لوطنكم من تظنونه الأقرب إلى تحيزاتكم. وإن لم يكن، فأبطلوا أصواتكم لترسلوا رسالة أقوى من مجرد المقاطعة.
وضع ما قبل 25 يناير لا يمكن العودة إليه إلا بتخاذلكم، والوضع الراهن لا يمكن استمراره إلا بتراجعكم، والوضع الجديد لن يرضيكم إلا إذا شاركتم.
أرجوكم.. اعلموا أن المعركة طويلة وجولاتها كثيرة.
"الوطن"