توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الكتاتونيا

  مصر اليوم -

الكتاتونيا

معتز بالله عبد الفتاح

كتب الدكتور محمد طه، استشارى ومدرس الطب النفسى كلاماً مهماً عن علاقاتنا الإنسانية وتأثيرها على صحتنا النفسية، يقول فيه:

أنت عارف أن الجنين فى رحم أمه بيحس وبيستقبل رسايل كتير من العالم الخارجى.. بيوصل له حنان أمه ومشاعرها.. بيحس هى متضايقة والّا فرحانة، بيعرف هى مطمنة والّا قلقانة، بيوصل له هى بتحبه والّا لأ، قابلة وجوده والّا رافضاه، عاوزاه والّا جه غلطة.. هو بيحس ويستقبل كل ده بطرق كتير جداً، أبسطها الهرمونات اللى بيفرزها جسم الأم فى حالاتها النفسية المختلفة وبتوصل للجنين من خلال المشيمة.. يعنى حتى جوه الرحم.. ممكن الجنين يحس بالحب والعطف والقبول والأمان.. أو يحس بالكره والجفاء والرفض والتهديد.. ده مش كلام فلسفى ولا أسطورى.. ده كلام علمى عليه آلاف الأبحاث والدلائل الحديثة..

المهم.. تصوّر بقى لو حد حصل له صدمة نفسية بأى شكل من اللى وصفناهم، وكل ما عقله يحاول يرجع لآخر مرحلة عمرية حس فيها بأمان مايلاقيش، ولا حتى فى الرحم وهو جنين.. عارف هيعمل إيه؟ عارف إيه القرار اللى عقله هياخده (بشكل غير واعٍ طبعاً) وينفذه.. قرار فى منتهى الصعوبة والقسوة.. قرار أن ينفصل عن العالم.. يخاصم الحياة.. يقفل على نفسه أبواب نفسه.. هو مش هينتحر أو يموّت نفسه.. لا.. هو هيعمل حاجة أصعب.. هو هيعيش ميت.. هيبقى زيه زى أى نبات أو جماد.. لا يأكل، ولا يشرب، ولا يتكلم.. تشيله من هنا وتحطه هنا.. مايتحكمش فى أعصاب وعضلات جسمه، ولا حتى فى دخوله الحمام.. لو سيبته واقف هيفضل واقف.. لو خليته قاعد هيفضل قاعد.. أنت قدام شخص قرر يفارق الحياة وهو عايش.. بيسموا ده فى الطب النفسى كتاتونيا Catatonia، وهى كلمة من أصل يونانى معناها جثة.. بنى آدم قرر يتحول لجثة.. علشان ده الوضع الوحيد اللى بيحس فيه بالأمان.. وضع الخروج من الحياة بكل سخافتها وضراوتها ومخاوفها.. هو مش بس بيغيب بوعيه زى حالات الهستيريا والانشقاق.. لا.. ده كمان بيغيب عن العالم بجسمه.. وبمشاعره.. وبأحاسيسه..

الكتاتونيا أصعب مرحلة من المراحل اللى ممكن يوصل لها أى مريض نفسى، وعلاجها أصعب منها، وفهمها والوصول لمعانيها المختلفة من مريض لمريض أصعب وأصعب.. فى جلسة مع إحدى مريضات الكتاتونيا بعد علاجها.. قالت المريضة للمعالج بتاعها (الإيطالى سيلفانو آريتى) إن من ضمن أسباب مرضها بعدم الحركة والانفصال عن العالم شعورها بالذنب، لأنها كانت متصوّرة أن أى حركة هتعملها ولو بسيطة هتلخبط موازين الكون كله.. كلام شكله غريب.. لكن فى الحقيقة المريضة دى وصل لها طول عمرها أن كل أفعالها غلط.. وكل كلامها بيعمل مشاكل.. وكل تصرفاتها بتلخبط الدنيا.. اللى حواليها وصلوا لها شعور عميق وساحق بالذنب على كل حاجة.. لدرجة أنها حست أن وجودها نفسه يدعو للشعور بالذنب.. فقرر عقلها الباطن أن يشل هذا الوجود ويوقف نشاطه ويمنعه من عمل كل شىء وأى شىء.. علشان ماتغلطش وماتتعرضش للعقاب.. وماتحسش بالذنب..

الكتاتونيا هى انعدام الحياة لانعدام لحظة أمان واحدة فيها..

الكتاتونيا هى قرار بوقف الوجود.. من شدة الألم والخوف..

الكتاتونيا هى أعمق درجة من درجات الموت النفسى..

لو ليكم أصحاب.. قرّبوا منهم وحبوهم واستقبلوا حبهم.. احفروا ذكرياتكم الحلوة معاهم فى كل خلية فيكم..

لو ليكم أهل.. اقعدوا معاهم واسمعوهم وكلموهم.. سامحوهم واعذروهم.. احضنوهم وحسوا بحضنهم..

لو بتربوا أولادكم.. خلوا فيه بينكم وبينهم لحظات حلوة كتير.. مواقف طيبة فيها قبول وفرحة ورحمة..

علشان فى وقت من الأوقات..

لحظة أمان واحدة.. ممكن تكون هى حائط الصد ضد صدمة نفسية مفاجئة..

موقف طيب بسيط.. ممكن يكون هو درع الحماية قصاد هجوم المرض النفسى وشراسته..

حضن دافى صغير.. ممكن يكون هو مكانك الأخير عند اختفاء كل الأماكن..

كلمة حلوة.. نظرة قرب.. ابتسامة رضا.. ممكن تكون هى الملجأ والملاذ والمنقذ.. وقت طوفان النفس العنيف..

غمض عينك.. حسهم.. افتكرهم.. استرجعهم.. وامسكهم بذاكرتك.. وماتفرطش فيهم أبداً..

ولو قليلين أو مش موجودين.. الحق واصنعهم وعيشهم واستمتع بيهم واحتفظ بيهم جواك.. يمكن يكونوا هما الفرصة الأخيرة..

قبل الرجوع النفسى للخلف..

GMT 08:19 2017 الجمعة ,31 آذار/ مارس

أكثر ما يقلقنى على مصر

GMT 08:12 2017 الأربعاء ,22 شباط / فبراير

من المعلومات إلى القيم والمهارات

GMT 07:48 2017 الأحد ,19 شباط / فبراير

جاستن ترودو: رئيس وزراء كندا - الإنسان

GMT 07:47 2017 الجمعة ,17 شباط / فبراير

نصائح للوزراء الجدد

GMT 09:01 2017 الأربعاء ,15 شباط / فبراير

من أمراضنا الأخلاقية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكتاتونيا الكتاتونيا



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon