توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فيروس "ترامب" اخترق النظام الأميركى

  مصر اليوم -

فيروس ترامب اخترق النظام الأميركى

بقلم : معتز بالله عبد الفتاح

«الفرد فى مواجهة المؤسسة» واحدة من أهم معضلات السياسة فى تاريخها. مع قرارات الفرد قد يأتى الإبداع والحلول المبتكرة التى عادة ما تقاومها المؤسسات، ولكن مع قرارات الفرد أيضاً قد تأتى المغامرات غير المحسوبة والقرارات الخاطئة التى تسعى المؤسسات للحد منها.

المؤسسية، وتغليب نظرية تعدد مراكز صنع القرار وتوازنها ورقابتها المتبادلة وعدم تركز القرار فى يد شخص محدد يأمر والباقى يطيع ولا يستطيع أن يعارض أو يستأنف أو ينقض، المؤسسية بهذا المعنى قد أصبحت واحدة من سمات المجتمعات المتقدمة لأنها تعنى كذلك «الرشادة» فى عملية صنع القرار ومنع تغليب المصالح الشخصية أو الفئوية على الصالح العام.

وهناك من علماء المسلمين من اعتبروا أن ترجمة «الشورى» فى واقع المسلمين المعاصر تقتضى القواعد المؤسسية التى تجعل الشورى واجبة، ورأى أهل المشورة ملزماً، باعتبار أن صانع القرار ليس شخصاً وإنما هو المؤسسة بمجملها.

ولتوضيح الصورة أكثر، فإن الفرد الحاكم فى المجتمعات المتخلفة (أى غير الصناعية وغير الديمقراطية وغير المؤسسية) كمن يقود سفينة يستطيع أن يتوجه بها فى أى اتجاه شرقاً أو غرباً، جنوباً أو شمالاً. لا قيود عليه إلا ما يضع على نفسه. والأمثلة كثيرة، ولنبدأ بالرئيس عبدالناصر، رحمه الله، الذى أخذ مصر فى سكة الاشتراكية وأعاد توزيع الدخل عبر التأميم والمصادرة وتحديد الملكيات الزراعية وإنشاء القطاع العام والاستثمار فى الشركات والمصانع المملوكة للدولة، مع إلغاء للأحزاب وتأميم الحياة السياسية والسيطرة التامة على مؤسسات المجتمع المدنى. وبغضّ النظر عما إذا كان كل هذا صواباً أم خطأ، ماذا لو كان الرئيس عبدالناصر اختار الطريق المضاد تماماً، هل كان فى مصر من المؤسسات أو المجتمع المدنى من يستطيع أن يوقفه عن أى من قراراته؟. الإجابة يقيناً لا.

وهذا ما فعله الرئيس السادات بالضبط: تحولت مصر من حليف للاتحاد السوفيتى إلى حليف للغرب، من الاشتراكية إلى الانفتاح، من الحزب الواحد إلى تعدد الأحزاب الشكلى، من عدو لإسرائيل، للحرب، ثم الصلح معها، من القومية العربية إلى عزلة شبه تامة مع العرب، من القطيعة التامة مع الإخوان إلى إخراجهم من السجون وإتاحة المساحة لهم لينتشروا ويتمددوا، وهكذا. وبغضّ النظر عن صواب أو خطأ أى قرار من هذه القرارات، هل لو كان الرئيس السادات اختار أن يسير فى خط مضاد تماماً، هل كان هناك من أو ما يمنعه؟

أما فى الدول الراسخة فى الديمقراطية (consolidated democracies) فإن الحاكم أقرب إلى قائد قطار يسير على قضبان محددة سلفاً، له مساحة من الحركة فى حدود ما هو مقبول سلفاً ومخطط مسبقاً، يستطيع أن يزيد السرعة أو أن يقللها، أن يقف فى محطة أو أن يتجاوزها. وحتى حين يخرج على القضبان فعليه أن يصنع قضباناً غيرها، وإن لم يستطع أن يتواكب مع القضبان، فالانتخابات مقبلة وفيها يتحول الحاكم إلى محكوم والمحكوم إلى حاكم.

«ترامب» مختلف. هو يريد أن يقود سفينة محكوماً لها أن تكون على قضبان. هو يتحدى الثوابت ويرى فى نفسه أنه «the interrupter» أى الشخص الذى جاء ليقضى على السياسة المعهودة فى واشنطن وأن من انتخبوه حمّلوه هذه المسئولية كى يقضى على طريقة اتخاذ القرار الموروثة فى مؤسسات الدولة.

هو أشبه بفيروس دخل على نظام التشغيل الأمريكى، والآن هناك اختبار كبير لمدى مناعة النظام الأمريكى ضد النزعة الانفرادية فى السلطة.

لقد أصدر ترامب 20 مرسوماً رئاسياً فى 10 أيام، وفصل كل من يختلف معه فى أى من قراراته. لا يراعى حتى التقاليد المرعية فى التخاطب مع رؤساء الدول الأخرى. يُصدر الوعيد وكأنه وعد. لا يبالى بالقيم الأمريكية التى طالما رفعها الساسة الأمريكان حتى ولو على سبيل الدعاية الخارجية مثل حقوق الإنسان والحلم الأمريكى وإعطاء فرصة للجميع.

لا توجد عنده مشكلة كبيرة فى أن يطلق أحكاماً عنصرية وطائفية ومهينة على فئات كثيرة من غير البيض الأمريكان. يدخل فى سياسة مضادة ومناقضة تماماً لما كان عليه سابقوه وكأن هذا هو سر نجاحه.

يعلن عن «يهودية» ابنته وزوجها وابنته الأخرى وخطيبها وابنه كأنها مدعاة للفخر، بل ويعبر بكل هذا فى المجال السياسى فتتخلى الولايات المتحدة فى عهده عن فكرة وسيط السلام التى كانت تعلنها دون أن تنفذها فى الشرق الأوسط.

هو ليس رجلاً رأسمالياً بالمعنى التقليدى للرأسمالية الأمريكية التى جاءت مع المؤسسين الكبار للاقتصاد الأمريكى. مصادر دخله فى معظمها من السمسرة والترفيه وبناء الفنادق والكازينوهات ومسابقات الجمال وبرامج التليفزيون والراديو.

هو أقرب إلى شخص هوائى مغامر يعشق الخروج على القواعد وينتشى بأن يكون شاذاً ولا يمكن توقع كلامه أو سلوكه، اكتساب العداوات بالنسبة له متعة شخصية لأنه يظن أنه أذكى من الجميع. جزء من تحليل شخصيته يشير إلى أن لديه اضطرابات شخصية من النوع «ب» بما يشمله من شخصية دراماتيكية حدّية نرجسية.

فى الدول المتخلفة، عادة ما يكون علم النفس السياسى الذى يهتم بشخصية الزعيم وطفولته وعقده وتركيبته الشخصية هو أهم العلوم، لأنك لو عرفت ما يريده الزعيم فستعرف نسبة غالبة من تفاعلات السياسة فى البلاد.

فى الدول المتقدمة، عادة ما يتراجع علم النفس السياسى قليلاً ليعطى مساحة أكبر لدراسة المؤسسات وصراع القوى السياسية فى المجتمع وتوزيعها فى مؤسسات صنع القرار لنفهم تفاعلات السياسة فى البلاد.

«ترامب» يمثل حالة سيكون فيها الاهتمام بشخصه لا يقل أهمية عن دراسة المؤسسات لأنه وضع نفسه فوق هذه المؤسسات. والمؤسسات إما أن تنتصر أو أن تُهزم. وكلمة السر ستكون ممثلى الحزب الجمهورى الذين يشغلون الآن الأغلبية فى مجلسى الكونجرس، فإما أن ينتصروا للتقاليد الديمقراطية أو أن ينتصروا للغوغائية الترامبية.

وربنا يستر.

المصدر: الوطن

GMT 05:49 2019 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

عيون وآذان (المطلوب دولة فلسطينية مستقلة)

GMT 00:55 2019 السبت ,01 حزيران / يونيو

رهانات إيران

GMT 06:01 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

عيون وآذان (أنصار إسرائيل يكذبون أكثر منها)

GMT 06:05 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

عيون وآذان (ترامب وإيران و«صفقة القرن» -٣)

GMT 00:21 2019 الخميس ,23 أيار / مايو

تزوير في أقطان مصرية !!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فيروس ترامب اخترق النظام الأميركى فيروس ترامب اخترق النظام الأميركى



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon