توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مؤتمر الشباب ونخبة مصر الجديدة

  مصر اليوم -

مؤتمر الشباب ونخبة مصر الجديدة

بقلم معتز بالله عبد الفتاح

أى ماكينة مصمَّمة لغرض معين تظل صالحة لخدمة هذا الغرض طالما أنها مصممة بشكل صحيح، أى لا يوجد فيها عيب مصنع، ولكن من الوارد أن تعجز الماكينة عن العمل رغماً عن سلامة تصميمها إذا حدث أن قرر القائمون عليها أن يسيئوا استخدامها، وهذا هو ما يسمى عيب استخدام. الديمقراطية ماكينة، والترتيبات المؤسسية المرتبطة بها تجعلها تنجح إذا التزمنا بقيمها (principles) وإجراءاتها (procedures) وعملياتها (processes). وهى لها كتالوج فيه تحذيرات تقول لك، لا تفعل عشر حاجات مثلاً، وتجد عادة بجوارها علامة (X) كبيرة كى توضح لك ما الذى ينبغى تجنبه، مثلاً صديقى محمد الميكانيكى يعرف أن عليه ألا يضع زيت الموتور مكان زيت الفيتيس، وألا يضع سائل مبرد الموتور مكان البنزين، لأن كل سائل من هذه السوائل له خصائص ولُزوجة ووظيفة معينة، ومن غير المتوقع أن تقوم كل السوائل بأدوار بعضها وإلا لماذا التمايز؟ طيب ماذا لو حدث من باب الغفلة أو من باب الغلاسة أو من باب الغشامة (والثلاث حاجات موجودة فى حياتنا السياسية والفكرية) أن قرر أحدنا أن يضع نوعاً من السوائل مكان السائل الآخر؟ قطعاً ستحدث خسارة ما تتوقف على التفاصيل، وهذا هو حال مصر بسياسييها الحاليين، الذين يكررون التجربة الديمقراطية الفاشلة قبل ثورة 1952، حيث كانت تحكم بنفس منطق المكابرة والمكايدة والمزايدة والمعاندة، هل تتذكرون فيلم إسماعيل ياسين لما الشاويش عطية سأله هل له أخ يشبهه، فنفى إسماعيل ياسين، وبعد بعض الكلمات والتصرفات البلهاء من إسماعيل ياسين، قال الشاويش عطية: «هو بغباوته ووشه العكر»، وأعتقد أن هذا هو نفس الفيلم الذى سأله فيه: «وظيفتك إيه على المدفع؟» فقال له: «بروروم»، يعنى شغلته على المدفع «بروروم»، ولهذا لم يكن مستغرباً، فى فيلم آخر، كان فيه إسماعيل ياسين يقود الطائرة، وكان خلفه الشاويش عطية يبتهل إلى الله ويقول: «يا رب ما تجعل نهايتى على إيده»، إسماعيل ياسين يمثل فى هذا المقام وفى هذا المقال النخبة السياسية العظيمة التى كانت تحكم مصر قبل ثورة 1952 والتى كانت تعيش معها مصر فى حالة من الدائرة الجهنمية للفشل السياسى، إذا جرت انتخابات نزيهة كان يصل حزب الوفد إلى السلطة، ثم يدخل «الوفد» فى صدام مع القصر أو الإنجليز، فيقيل الملك الوزارة ويكلف أحزاب الأقلية بتشكيلها، فتؤجل تلك الأخيرة انعقاد البرلمان ذى الأغلبية الوفدية، فيحل الملك البرلمان وتجرى انتخابات جديدة تزوّر نتائجها لصالح الأقلية، فيقوم «الوفد» بسلسلة من الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات، ما يدفع الملك إلى إجراء انتخابات حرة يعود بعدها «الوفد» إلى الحكم، فيصطدم «الوفد» مع الملك أو الإنجليز، فيقيل الوزارة وهكذا، لدرجة أنه خلال الفترة من 1923 حتى 1952، تشكلت 38 وزارة بمتوسط عمر 9 أشهر للوزارة الواحدة، كما لم يكمل أى برلمان مدته الدستورية باستثناء برلمان عام 1945. وهناك برلمان تم حله فى نفس يوم انعقاده فى 23 مارس 1925، يعنى استمر نحو 8 ساعات، لماذا كل هذا؟ لأن الناس لم تلتزم بكتالوج الديمقراطية وتبنوا منطق: المكايدة، والمكابرة، والمعاندة، والمزايدة، هؤلاء الساسة كانت شغلتهم على المدفع «بروروم»، وحساباتهم الضيقة كانت السبب فى معاناة أجدادنا، والحقيقة فى معاناتنا من بعدهم، لهذا كان سهلاً للغاية على النخبة الجديدة بعد ثورة 1952 (الضباط الأحرار) أن تفترس النخبة السابقة وتمنعها من العمل العام، لأن الناس لفظتهم وتعشمت خيراً فى المقبلين بعدهم، ما يحدث فى مصر الآن يقول إننا ندخل فى نفس الدائرة الخبيثة من النخب الفاشلة، ومثلما أضاعت نخبة الأجداد مصر وفلسطين، تضيع نخبة الأبناء والأحفاد ما تبقى من البلد، يا ترى هل الديمقراطية لا تعمل فى مصر بسبب عيب مصنع أم عيب استخدام؟

كتبت من قبل وأكرر أن فيه مشكلات عايزة التفاعل مع «عصب المشكلة»، حضرتك عارف اللى بيسموه «Root-cause analysis» أى تحليل المشكلة من جذورها وليس من سيقانها (المتغيرات الوسيطة) أو فروعها (نتائجها)، يا ريس، أنا حضرت اجتماعات حكومية كثيرة، سواء فى عهد المجلس العسكرى أو فى فترة حكم الإخوان أو الآن. أنا قلقان يا ريس، معظم الناس مش مستعدة، الناس بتربط «التور» مطرح ما يحب صاحبه، الناس بتسجل مواقف مش بتبحث عن حلول عملية للمشكلات، الناس حتى مش عارفة تدير اجتماعاتها ونقاشاتها بشكل منضبط، ومجلس النواب جسد مقولة إننا بنستخدم نفس الشبكة لاصطياد نفس السمك من نفس البحيرة، يا ريس، حضرتك معك فريق عمل مجتهد، يا ريس، مصر بحاجة لجيل جديد من الإداريين والسياسيين، ناس تكون متعلمة بجد يا ريس، لا ينبغى أن تركز فيما هو «مُلحّ» وتنسى ما هو «مُهم»، وغلاوة مصر عندك ما تركز فى البنيان وتنسى الإنسان، استثمر فى المصريين زى ما بتستثمر لهم، بأخلاقنا دى وبجهلنا ده، لو عندنا مال قارون هنضيعه بسفه، يا ريس، فيه مؤسسة اسمها «المدرسة الوطنية للإدارة» (National School of Administration)، إحنا عايزين نعمل زيها. المدرسة دى بيلتحق بيها كل الناس اللى عايزين يشتغلوا فى مناصب عليا فى أجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية والإدارية، فيها برامج متنوعة تجمع بين القانون والاقتصاد والسياسة والإدارة والعلاقات الدولية وعلم الاجتماع وعلم النفس والتسويق وتكنولوجيا المعلومات والإحصاء والمهارات الشخصية زى القدرة على التواصل والإنصات والتفاوض وإدارة الاجتماعات والتفكير النقدى والابتكارى والمقارنات ودراسات الحالة وغيرها، هذا هو التكوين العلمى المنضبط لمن يريد أن يتولى المسئولية فى البلد، أهم ما فى المدرسة دى، إن مفيش حد فى منصب كبير فى الدولة من عضو برلمان إلى وزير إلى محافظ إلى عمدة إلى رئيس جمهورية إلا ويكون درس وتخرج فى هذه المدرسة، ومش هنخترع حاجة من لا شىء، فيه فى مصر معهد اسمه معهد إعداد القادة، عايزين نطوره، ونضع فى القانون ما يلزم من يترشح للمناصب العليا، من وزراء أو أعضاء برلمان أو محافظين، بأن يلتحقوا بهذا المعهد خلال 3 سنوات مثلاً، ويقوم على إدارة المعهد ناس من اللى متعلمة كويس وليها خبرة، يا ريت تكون خارجية، فى الإدارة والاقتصاد، ويحاضر فى هذا المعهد، حتى كمحاضرين زائرين ببلاش، أهم أسماء علماء ومهندسى ومفكرى مصر والعالم الذين نجحوا داخل مصر وخارجها علشان يعلموا الناس ويفهموهم إزاى نتقدم، يا ريس، والله العظيم، كتاب التقدم فى العالم اتكتب خلاص، إحنا اللى مش عارفين أو مش عايزين نقراه، عملية إحداث النهضة الاقتصادية والإدارية والسياسية اتدرست لدرجة أن مقررات الاقتصاد السياسى للتنمية أصبحت عاملة زى كتب الطبيخ، برنامج تأهيل الشباب للقيادة مفيد وينبغى أن يستمر لكن المشكلة أكثر إلحاحاً والاحتياج لنخبة سياسية وإدارية أكثر إلحاحاً، مؤتمر الشباب قد يكون نقطة البداية فى استزراع نخبة جديدة.

يا رب نجِّ مصر مننا أو بتعبير أدق من بعضنا. آمين

GMT 08:19 2017 الجمعة ,31 آذار/ مارس

أكثر ما يقلقنى على مصر

GMT 08:12 2017 الأربعاء ,22 شباط / فبراير

من المعلومات إلى القيم والمهارات

GMT 07:48 2017 الأحد ,19 شباط / فبراير

جاستن ترودو: رئيس وزراء كندا - الإنسان

GMT 07:47 2017 الجمعة ,17 شباط / فبراير

نصائح للوزراء الجدد

GMT 09:01 2017 الأربعاء ,15 شباط / فبراير

من أمراضنا الأخلاقية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مؤتمر الشباب ونخبة مصر الجديدة مؤتمر الشباب ونخبة مصر الجديدة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon