توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قرارات اقتصادية صحيحة ونتائج خاطئة

  مصر اليوم -

قرارات اقتصادية صحيحة ونتائج خاطئة

بقلم معتز بالله عبد الفتاح

كيف يمكن أن نحقق نتائج صحيحة من وجهة النظر الرأسمالية ونحن لا نملك أخلاقها، أى أخلاق الرأسمالية؟

تحرير سعر صرف الجنيه فى مجتمع غير معد أو مهيأ من حيث القيم والأخلاق للتعامل مع فكرة الصالح العام.

نحن ببساطة لا نلتزم بأخلاقيات بناء الدولة. للفلاسفة إسهامات جمة فى تحديد مصادر الإلزام الخلقى. وقد أجملوها فى مصادر أربعة أساسية. أولاً العقل، فعقل الإنسان يجعله يفكر فى أنه من مصلحته المباشرة أن يلتزم بالمبادئ التى لو خالفها، فسيخالفها الآخرون حتى لا يقع فريسة لبطش من هو أقوى منه. وبالتالى أنا لو رفعت صوت الموسيقى من بيتى، فهذه رخصة للآخرين بأن يفعلوا المثل، ولما ارتاح مريض قط. ورائد هذه المدرسة بامتياز فى الفكر الغربى كانط، وقد سبقه فى الفكر العربى ابن رشد وابن سينا.

وهناك مدرسة أخرى ترى أن المصدر الرئيسى للإلزام الخلقى هو المجتمع. فحينما يتراضى مجتمع ما على مجموعة من القيم والمبادئ فإنها تصبح أخلاقه وبمثابة الهواء الذى يتنفسه، فلماذا لا أذهب إلى الجامعة بلباس النوم الرجالى رغماً عن أنه يستر كامل العورة؟ لأن المجتمع تراضى على أن ملابس النوم للمنزل وليست للعمل. وهكذا، فحينما يسرى فى مجتمع ما ثقافة ختان الإناث مثلاً فإن المجتمع يجعل من هذه العادة خلقاً من يحيد عنه فقد أخطأ. ويرى أنصار هذه المدرسة أن قوة المجتمع أقوى من قوة العقل كمصدر للإلزام الخلقى إلا إذا كانت هناك قوة تملك أن تحول العقل وما يمليه إلى قوانين مكتوبة ونافذة فى المجتمع. وعليه فإن قال المجتمع بعادة ختان الإناث فإن العقل، مترجماً فى قوانين الدولة وحسن إدارتها لأدواتها، يقف للمجتمع رادعاً ومقوِّماً.

ومن هنا جاءت مقولة «الحاكم المستنير». فاستنارته لا تُفهم إلا فى ضوء أنه لا يعتبر نفسه أسير المجتمع الذى يحكمه، وإنما هو مصلح له، مستخدماً سلاح العقل وأدوات الإكراه المشروع التى تملكها الدولة.

وهو ما جعل فريدريك الثانى فى روسيا، وجورج واشنطن فى الولايات المتحدة، وأحمد بن طولون ومحمد على فى مصر أقوى من المجتمعات التى عاشوا فيه وكانوا إضافة لها حين غيروها. وهو ما نفتقده فى مصر الآن بوضوح.

بيد أن يحيى حقى أشار فى روايته العبقرية «قنديل أم هاشم» لقصة الدكتور إسماعيل الذى ذهب إلى الغرب ليتعلم فنون طب العيون وعاد إلى بيئته، التى اعتادت على علاج أمراض العيون بزيت القنديل، قنديل أم هاشم، تبركاً وأملاً فى الشفاء. وهنا كان الصراع بين مصدرين من مصادر الإلزام الخلقى: العقل، ممثلاً فى العلم، والمجتمع، متمثلاً فى الخرافة. وقد اصطدم العلم بالخرافة، وكاد الدكتور إسماعيل يفقد حياته ظناً من العامة أنه خرج عن الدين لرفضه استخدام زيت القنديل. لكن العالم الحق حكيم يعرف أن من واجبات العلم أن يستوعب الخرافة ليقضى عليها. وقد فعلها بطل «قنديل أم هاشم» بأن وضع العلاج الطبى السليم فى زجاجات تشبه الزجاجات، التى كان يضع فيها المخرفون زيت القنديل وأوهم الناس، أو هكذا فعل، أنه يعالجهم بزيت القنديل. وحينما اطمأن الناس له، وللعلم الذى أتى به، وللعقل الذى يمثله، كان عليه أن يصارحهم بأن علاجه الموضوع فى زجاجة الزيت ما هو إلا نتاج العلم والطب والعقل، وهكذا فإن للعلم بيئته التى تحترم العقل ابتداء، فمحاولة استخدام العلم فى علاج مشكلات مجتمع لا يحترم العلم، هى محاولة غير علمية بل وغير عقلانية فى حد ذاتها. إذاً فالعقل كمصدر للإلزام الخلقى ينبغى أن يقود المجتمع، لكنه لن يفعل إلا إذا حكم وساد وسيطر على أجهزة الدولة والمجتمع معاً حتى يواجه قروناً من الخرافة والغيبيات اللاإيمانية.

وقد لاحظت خللاً بنفسى مع طلابى فى الجامعة حين أرى فيهم اتكالية ابتدعوها ونسبوها ظلماً للإسلام. وقد كانت قضية «القوة التدميرية للحسد» مناطاً للنقاش مع بعضهم. فتساءلت: هل يمكن أن نرسل إلى إسرائيل 100 حاسدة فيدمرنها بنظرات العين وكلمات اللسان؟ ولو كان هذا الاختراع مقبولاً، فلماذا لم يكتشفه غيرنا من أبناء الحضارات الأخرى؟ الحسد موجود ونؤمن به كمرض من أمراض القلوب، كما نص القرآن الكريم، أما إذا لم يتبعه صاحبه بكيد وفعل يحول الشعور الذاتى إلى طاقة تدمر الآخرين فلا قدرة له على التدمير أو النيل منهم، وإنما يظل شعوراً يأكل صاحبه، حتى وإن ساد فى ثقافة المجتمع ما يشير إلى غير ذلك. فيضع صاحب السيارة الجديدة خرزة زرقاء أو صندلاً قديماً كى «يأخذ العين».

وهناك مصدر ثالث للإلزام الخلقى وهو ما يسميه البعض بالحاسة الخلقية أو الضمير. وهو أقرب إلى آية من آيات الله فى خلقه، فيجعل لديهم شعوراً بعدم الارتياح لفعل ما. كما جاء فى الحديث الشريف: «الإثم ما حاك فى نفسك وكرهت أن يطّلع عليه الناس»، وهو ما جعل أهل العلم يفسرون الحديث الشريف «الحلال بيّن والحرام بيّن» بأن القطة مثلاً إذا أعطيتها قطعة لحم فإنها تقف بجوارك لتأكلها فى شموخ صاحب الحق، أما إذا سرقت منك هذه القطعة من اللحم فإنها تجرى مسرعة لتختبئ شعوراً منها بأنها ارتكبت فعلاً لا أخلاقياً. وهذا ما يقوله أنصار هذه المدرسة، مثل باتلر وشافتسبراى والكثير من الصوفية بأن الأصل فى الأمور «النفس المطمئنة».

أما المصدر الرابع من مصادر الإلزام الخلقى فهو الدين، أى دين. فالدين يرسم لأتباعه خريطة من الفروض والمستحبات والمباحات والمكروهات والمحرمات، ويجعل فى المحرمات ما هو من الصغائر وما هو من الكبائر، ويجعل من الفروض ما هو ضرورى على كل فرد من أفراد المجتمع (فرض عين مثل الصلاة)، أو فرض كفاية يقوم به البعض دون البعض الآخر (مثل التخصص فى مجال معين من مجالات العلم).

والدين، سواء كان أرضياً أو سماوياً، له تأثير كبير على المؤمنين به. ويكفى أن ننظر إلى المعاناة الشديدة التى يعانيها الحاج سفراً وسعياً وطوافاً ومبيتاً ابتغاء مرضاة ربه الأعلى الذى وعده أنه سوف يرضى. ويروى التاريخ تفاصيل تحول العديد من الشخصيات العظيمة من الكفر إلى الإيمان. فما الذى دفع عمر بن الخطاب أن يتحول من معاقر للخمر يحبها ويدمنها إلى رجل «كأنه يرى الله بعينيه»، كما وصفته امرأة تقدم لخطبتها فرفضته؟ بيد أن الدين فى ذاته احتاج دائماً للسلطان القاهر بجواره حتى يردع من لا يبلغ الإيمان منهم مبلغ اليقين. وعليه قال أبوحامد الغزالى: «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، أى إن الله يردع بالقانون من لا يقبل أن يردع بالخوف من الله. والأصل فى الأمور أن تتضافر مصادر الإلزام الخلقى حتى تكون الرسائل الاتصالية المقبلة من الدولة ومن دور العبادة ومن الأسرة ومن أجهزة الإعلام متسقة تحمل نفس القيم، فتتحول اللوائح والقوانين إلى قيم وعادات يتقبلها الناس ويعيشون عليها، وهو ما لمسته مثلاً حين زرت اليابان مؤخراً.

المأزق أخطر من أن يحل بقرارات اقتصادية فقط. والله أعلم.

GMT 08:19 2017 الجمعة ,31 آذار/ مارس

أكثر ما يقلقنى على مصر

GMT 08:12 2017 الأربعاء ,22 شباط / فبراير

من المعلومات إلى القيم والمهارات

GMT 07:48 2017 الأحد ,19 شباط / فبراير

جاستن ترودو: رئيس وزراء كندا - الإنسان

GMT 07:47 2017 الجمعة ,17 شباط / فبراير

نصائح للوزراء الجدد

GMT 09:01 2017 الأربعاء ,15 شباط / فبراير

من أمراضنا الأخلاقية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قرارات اقتصادية صحيحة ونتائج خاطئة قرارات اقتصادية صحيحة ونتائج خاطئة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon