توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بيوتن بين القيصر والموفض

  مصر اليوم -

بيوتن بين القيصر والموفض

بقلم : أمير طاهري

بعد عقود على رأس السياسة الروسية، لا يمكن لفلاديمير بوتين أن يكون شخصية غير معروفة القدرات والإمكانات على الأقل فيما يتعلق باهتمامات المختصين في السياسة الغربية. ومن أهم التساؤلات التي ينبغي عليهم طرحها يدور حول: إلى أي مدى ووفق أي قوة يمكن دفع السيد بوتين للالتزام بحدود السلوك المقبول لديهم.

فتحت زيارة بوتين القصيرة إلى فرنسا خلال هذا الأسبوع، وبالتحديد إلى قصر فرساي، المجال لطرح هذا التساؤل بطريقة أكثر هدوءاً وتعقلاً.

وحقيقة أن السيد بوتين تقبل الدعوة لزيارة موجزة من الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون عكست رغبة الزعيم الروسي المتقدة لمحاولة «إعادة» الدخول إلى ما يعرف بدائرة القوى العظمى العالمية. وبعد استبعاد روسيا من مجموعة دول الثماني، كان السيد بوتين شديد الحرص على التقاط صورة «ما» تعكس ولو «ثُلمة» صغيرة في جدار العزلة الدولية المفروض عليه.

وبعد ذلك، كان من بين المواضيع التي طرحها السيد بوتين في قصر فرساي هو أمله في أن يعتبر المختصون الغربيون روسيا العصر الحاضر كما هي عليه، وليست كمثل ما كان الاتحاد السوفياتي البائد من قبل.

وكانت ذريعة زيارة قصر فرساي هي الذكرى الثلاثمائة لزيارة بطرس الأكبر القيصر الروسي الخامس ومؤسس روسيا الحديثة إلى فرنسا. وكان القيصر بطرس هو مؤسس ما يسمى المدرسة «التغريبية» الفكرية - اعتناق الثقافة الغربية، وهي من مدارس الفكر القومي الروسي والتي يدور طرح مثقفيها حول اعتبار أن روسيا جزء من القارة الأوروبية، وأنه ينبغي عليها تحرير ذاتها من وحشية التراث الآسيوي العقيمة.

رغب القيصر بطرس الأكبر في أن تتبنى بلاده العلوم الحديثة، ونظم التعليم المتقدمة، والذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك بدعوة «البويار - أفراد النخبة الأرستقراطية الإقطاعية من نبلاء روسيا» إلى حلق لحاهم الكثيفة، ودعوة «الموزيك – الفلاحين والمزارعين الروس» إلى ارتداء الملابس الأوروبية التقليدية. وخلال مدة زيارته إلى فرنسا التي استغرقت 12 أسبوعاً، استأجر القيصر الروسي مجموعة من الفرنسيين، وغيرهم من الأوروبيين، من المعلمين، والمؤرخين، والفنانين، والمهندسين، والمعماريين، والإداريين لمرافقته إلى روسيا ومساعدته في تحويلها إلى أمة حديثة على غرار أوروبا وبلدانها. وكان مطلوباً من هؤلاء الموظفين أن يحولوا مدينة بتروغراد، والتي هي سان بطرسبرغ اليوم، إلى مدنية على الطراز الإيطالي، وإعادة تصميم العاصمة موسكو لتكون كمثل المدن الفرنسية الحديثة في ذلك الوقت.<br />عارض السلافيون جهود التغريب المحمومة التي كانت يقودها القيصر بطرس الأكبر في البلاد، وكان السلافيون يعتقدون أن لروسيا شخصيتها المميزة وروحها الأصيلة ومن ثم ينبغي عليها الوفاء بمصيرها الواضح من خلال توسيع الإمبراطورية الروسية ونشر نسختها الخاصة من الديانة المسيحية.

حاول السيد بوتين، خلال حياته المهنية في المضمار السياسي، أن يلعب على كلا الوترين، فلقد كان متطلعاً للغرب في بعض الأحيان، وسلافياً محضاً في أحيان أخرى. ولكن في قصر فرساي، كانت الإشادة المضطرمة بالقيصر بطرس الأكبر قولاً والتماهي مع الدور الغربي لسيد الكرملين فعلاً.

وكانت الرسالة الاستثنائية التي أراد بوتين أن يبعث بها تدور حول الفتوحات الروسية الأخيرة في كل من جورجيا وأوكرانيا، وأنه لا ينبغي على الغرب النظر إليها من زاوية محاولة أوسع لإعادة إحياء الإمبراطورية السوفياتية التي عفى عليها الزمن. وخلال المؤتمر الصحافي المشترك الذي جمعه بالرئيس الفرنسي في قصر فرساي، تخلى السيد بوتين عن روتينه القومي المعتاد ووصف الغرض الأوْلى من مهام السياسة بمحاولة تحسين حياة الشعوب.

وكان غرضه هو طمأنة الفئات الوسطى من المجتمع الروسي والتي تأثرت للغاية جراء العقوبات الاقتصادية الدولية، وانخفاض أسعار النفط العالمية، والتدهور العام في الاقتصاد الروسي منذ عام 2012.

ثم حاول الرئيس الروسي تغيير مسار الحوار من خلال طرح قضايا مثل الأزمة السورية والأوكرانية باعتبارها من بعض البنود المدرجة على جدول الأعمال العالمي المثقل بكثير من المشاكل والأزمات. ولقد دندن حيناً ورقص حيناً حول تيمة مكافحة الإرهاب، وهي من التيمات التي يعلم جيداً أنها تجذب على الدوام المزيد من الانتباه في الغرب، ومن ثم تحدث عنها عارضاً المساعدة والتعاون الروسي الأكيد. ومن الواضح بجلاء حرص السيد بوتين على إظهار «إعادة» ربط روسيا بدوائر الدول العالمية الكبرى حتى ولو بالحد الأدنى من الوسائل على أقل تقدير، ثم تقبل بوتين على الفور اقتراح السيد ماكرون بإقامة مجموعة عمل مشتركة لوضع استراتيجيات مكافحة الإرهاب.

وإجمالاً للقول، كان بوتين الذي رأيناه في قصر فرساي هذا الأسبوع يبدو أقل تحدياً، وأكثر قابلية لخوض غمار اللعبة الدولية وفقاً لبعض قواعدها المتعارف عليها. ومن المؤكد، أن هذا لا يمكن أن يكون سوى موقف مؤقت متخذ في لحظة صعبة. <br />لقد وضع بوتين بلاده على مسار شديد الاضطراب. ولكن الهدف ينبغي أن يكون العودة بروسيا من هذا المسار المضطرب.

وإن كان السيد بوتين مستعداً لفتح نافذة جديدة من الفرص السانحة فلن يكون من الحكمة بحال أن نُغلق هذه النافذة في وجهه. غير أن هذا لا يعني دعوة الرجل إلى مائدة متنوعة من التنازلات تماماً كما صنع الرئيس باراك أوباما عبر سياسة «إعادة تعيين العلاقات» الطفولية.

كان السيد بوتين محقاً في إشارته إلى أن روسيا اليوم ليست هي الاتحاد السوفياتي السابق. حيث كان الاتحاد السوفياتي عدواً مباشراً للديمقراطيات الغربية، في حين أن روسيا اليوم في أسوأ حالاتها مع الغرب ليست إلا خصماً من الخصوم.

ووفقا إلى المصادر الفرنسية المطلعة، صدر عن السيد بوتين في قصر فرساي مجموعة من التلميحات المثيرة للحيرة. فعند حديثه عن سوريا عطف على ذكر الرئيس بشار الأسد، الدمية التي تتلاعب بها طهران وموسكو سعياً وراء تحقيق غايات خاصة. بدلا من ذلك، أصر السيد بوتين على أن أي تسوية بشأن الأزمة السورية لا ينبغي أن تكون على حساب الإطاحة بمؤسسات الدولة. وهذا من الأمور التي سوف تجد القوى الغربية، وجموع الشعب السوري، صعوبة ليست بالبالغة في قبوله.

ومع استبعاد بضع مئات من الأشخاص المتورطين بشكل مباشر في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فلا يوجد سبب يمنع البقية المتبقية من موظفي الدولة السورية في أن يكون لهم مكان في مستقبل سوريا الحرة.

ويأتي الموقف الجديد للسيد بوتين على خلفية الانخفاض الحاد في النشاط العسكري الروسي في سوريا. ولقد أعلن بشار الأسد ووزير خارجيته وليد المعلم في الشهر الماضي عن عملية عسكرية على غرار عملية حلب، ولكنها موجهة هذه المرة نحو محافظة إدلب مع القوات الجوية الروسية التي سوف تشن عمليات القصف الضخمة والمروعة. غير أن هذا لم يحدث. كما ابتلعت روسيا، مرغمة، هجومين شنتهما القوات الأميركية على مواقع ووحدات تابعة لقوات بشار الأسد من دون أن تحاول الرد بأي صورة من الصور. وصار السيد بوتين الآن يستخدم مصطلح «عدم التصعيد» حيال كل من الأزمات في سوريا وأوكرانيا.

وربما يحاول السيد بوتين شراء بعض الوقت لغرض ما أو هو يحاول تقسيم خصومه.

ولكنه قد يعكس حقيقة مفادها أنه صار يتعلم من تجاربه وأن السياسات الإمبريالية القديمة قد عادت بالهزيمة على نفسها في نهاية المطاف. ولا ينبغي رفض موقفه المتخذ أخيراً، ولا يجب تعريضه للاختبار كذلك، فإن تحقق أنه يريد العودة إلى المجتمع الدولي مرة أخرى، فلا غرو من مساعدته على القيام بذلك.

المصدر : صحيفة الشرق الأوسط

 

GMT 07:32 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

هذه المعارك التافهه!

GMT 07:29 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

المنطقة المأزومة

GMT 07:28 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

شريط الأخبار

GMT 07:44 2017 السبت ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

ترويع الآمنين ليس جهاداً

GMT 07:43 2017 السبت ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين ترفع رئيسها إلى مستوى ماو !

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بيوتن بين القيصر والموفض بيوتن بين القيصر والموفض



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon