توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تحليل كيسنجر للشرق الأوسط يعج بالثغرات

  مصر اليوم -

تحليل كيسنجر للشرق الأوسط يعج بالثغرات

بقلم : أمير طاهري

بغض النظر عن رأي المرء في رؤية هنري كيسنجر العالمية، ناهيك عن إسهاماته في الجدال الدولي الذي دار على امتداد العقود الخمسة الماضية، يبقى أمر واحد في حكم المؤكد: أن كيسنجر له معاييره الخاصة التي يحدد على أساسها الصواب والخطأ على الصعيد السياسي.

وتقوم هذه المعايير على فكرة توازن القوى، وهي فكرة أوروبية تطورت خلال العصور الوسطى، وبلغت درجة رفيعة من السمو والقدسية مع دمجها فيما أطلق عليه معاهدات صلح وستفاليا لتنظيم العلاقات بين الدول الناشئة داخل أوروبا. ورغم أن البعض يرى أن خبرة كيسنجر تقتصر على مجال واحد وحيد، فإن الإنصاف يقتضي أن نبدي الإعجاب حيال اتساقه في جهوده لتعزيز الاستعانة بالسياسة الخارجية بصفتها أداة لتحقيق استقرار في الوضع القائم بغض النظر عن أي اعتبارات أخلاقية، ناهيك عن الآيديولوجية. وفي إطار رؤية كيسنجر للواقعية السياسية، ينبغي أن يتمثل الهدف الأكبر في تجميد، وليس محاولة تغيير العالم، باعتبار أن التغيير أمر مفعم بالمخاطر الكبرى.

وقد تمخضت رؤية كيسنجر تجاه العلاقات الدولية والتي يمكن وصفها بـ«الوستفالية الجديدة»، عن حالة من الوفاق أدت بدورها إلى إطالة أمد وجود الاتحاد السوفياتي لعقدين آخرين. ونجحت جهوده الدبلوماسية المكوكية في تجميد الوضع القائم في أعقاب 1967 على صعيد الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني؛ ما أرجأ إقرار تسوية حقيقية لعقود عدة لا يعلم عدتها سوى الله! وكان من شأن التوجه ذاته وضع ختم الموافقة على ضم النظام الشيوعي في فيتنام الشمالية للشطر الجنوبي من البلاد، رغم الهزيمة التي مُني بها الشطر الشمالي داخل ميدان القتال.

أما أحدث إسهامات كيسنجر فارتبطت بالحملة ضد تنظيم داعش؛ ذلك أنه حذر من أن تدمير التنظيم ربما يسفر عن ظهور «إمبراطورية إيرانية راديكالية». بمعنى آخر، يرى كيسنجر أنه يتعين علينا ترك «داعش»، الذي يمثل خطراً واضحاً ونشطاً لمساحات واسعة من منطقة الشرق الأوسط وأوروبا؛ خوفاً من أن يحل محله تهديد أكبر يتمثل في «إمبراطورية إيرانية راديكالية».
وكما هو معتاد، ثمة مشكلات كثيرة ترتبط بمحاولة كيسنجر استخدام أفكار تنتمي إلى العصور الوسطى في أوروبا في تحليل مواقف في أجزاء أخرى من العالم.

بادئ ذي بدء، يبدو أنه يعتقد أن النظام الخمينيّ في طهران و«خلافة (داعش)» المزعومة في الرقة ينتميان إلى فئتين مختلفتين. بيد أنه في واقع الأمر يشكل الاثنان الحقيقة القبيحة ذاتها، ويروجان للآيديولوجيا ذاتها، ويعتمدان الأساليب ذاتها، ويتعاونان في إضفاء الشرعية على بعضهما بعضاً.

وهنا، لنا أن نتساءل ما وجه الاختلاف بين ادعاء آية الله علي خامنئي لنفسه منصب «المرشد الأعلى لجميع المسلمين بمختلف أرجاء العالم» باعتباره «إماماً» من ناحية، وادعاء أبو بكر البغدادي لنفسه منصب الخليفة من ناحية أخرى؟ ألا يزعم كل من النظامين أنه وحده يمثل النسخة الوحيدة الصحيحة من الإسلام، وأنه يحمل على عاتقه مهمة غزو العالم بأسره باسم الإسلام؟ بل ويمكن للمرء أن يدفع بأنه لولا وجود الخمينيّة داخل إيران، لما كانت تنظيمات مثل «داعش»، ناهيك عن «طالبان» لتظهر في هذا الجزء من العالم في هذا الوقت.
أيضاً، تتجلى مسألة الاعتماد المتبادل بين «داعش» و«الخمينيّة» في الرسالة الأساسية للجهود الدعائية الحالية التي تبذلها طهران، والتي تخبر الإيرانيين بأن عليهم التسامح تجاه القمع الوحشي ثمناً لحمايتهم من «داعش».

أما الخطأ الثاني الذي وقع فيه كيسنجر، فيكمن في اعتقاده بأنه من غير الممكن الوقوف في وجه النسختين الشريرتين دون الحاجة إلى تفضيل أيهما على الأخرى. وفي خضم محاربة كيانين شريرين، فإن بمقدور المرء العمل في إطار تسلسلين زمنيين منفصلين. عام 1939، كان من الضروري إلحاق الهزيمة بألمانيا النازية رغم أن هذه النتيجة كان بمقدورها تقوية شوكة الاتحاد السوفياتي الذي كان آنذاك حليفاً لهتلر. إلا أنه بمجرد القضاء على الشر الأول، أصبح من الممكن الشروع في محاربة الشر الثاني في صورة «الحرب الباردة».
ويتمثل خطأ ثالث سقط فيه كيسنجر في إغفاله إسهام إدارة أوباما في تقوية موقف النظام الخمينيّ، ناهيك عن معاونته على البقاء. في الواقع، لقد تعمد أوباما غض الطرف بينما شرع الملالي في سحق انتفاضة شعبية اندلعت في إيران عام 2009. ولم يكتفِ بذلك، وإنما سارع في أعقاب ذلك إلى إضفاء من خلال الدخول مع النظام الإيراني في مفاوضات دبلوماسية تمثل مجمل تأثيرها في تقديم طوق النجاة إلى النظام الإيراني الذي كان يعاني أزمة نقدية طاحنة، الأمر الذي مكّنه من الفرار من أخطر تداعيات سياساته الاقتصادية الرديئة.
واللافت أنه بعد قرابة أربعة عقود على سيطرتهم على مقاليد الحكم، أخفق الخمينيون في بناء مؤسسات الدولة؛ الأمر الذي لا يمكن من دونه بناء إمبراطورية بالمعنى الحقيقي. وكان أقل ما يمكن للأنظمة الديمقراطية الغربية عمله الامتناع عن تقديم يد العون إلى الخمينيين لمساعدتهم على الخروج من الأزمات التي خلقتها أيديهم.

أما خطأ كيسنجر التالي، والذي يشاركه فيه للأسف الكثير من المفكرين والمحللين بمختلف أرجاء العالم، فهو المبالغة الشديدة في تقدير مستوى تماسك النظام الحالي داخل طهران. ورغم أن النظام الخمينيّ يملك بالفعل قوة كافية لإثارة القلاقل على نحو بالغ داخل المنطقة ـ الأمر الذي ينفذه بالفعل ـ فإن ذلك لا يعني أنه قادر على بناء إمبراطورية؛ لأن ذلك يتطلب وجود قاعدة قوية داخلياً؛ الأمر الذي يفتقر إليه النظام الإيراني حالياً ـ أو ربما لم يحظَ به من قبل قط من الأساس. في الواقع، يواجه الخمينيون مشكلة في تجنيد إيرانيين كي يصبحوا «شهداء» في حروب أجنبية؛ الأمر الذي يجبرهم على الاستعانة بلبنانيين وأفغان وباكستانيين، وفي وقت قريب شرعوا في الاستعانة بمرتزقة يحملون جوازات سفر أوروبية. ومن دون النقد الذي تضخه الولايات المتحدة وحلفاؤها، سيكون من الصعب على الخمينيين توفير رواتب موظفي الدولة، ناهيك عن تمويل مشروع بناء إمبراطورية. 
وأخيراً، ربما تمثل خطأ كيسنجر الأكبر في افتراض أن الخيار الوحيد أمام الشرق الأوسط، على الأقل داخل سوريا والعراق، يكمن ما بين «الخلافة» في الرقة و«الإمامة» في طهران. ويدرك أي شخص على معرفة بما يدور على أرض الواقع أن هذا ليس الحال بالتأكيد.

في الواقع، تأمل الغالبية العظمى من السوريين، بمن في ذلك أنصار بشار الأسد، في مستقبل بعيد عن الوصاية الإيرانية. وإذا ما أتيح لهم الاختيار، فإنهم بالتأكيد لن يترددوا إزاء النظر في خيارات أخرى. وبالمثل، داخل العراق أدرك الكثيرون، بمن في ذلك شخصيات مثل نوري المالكي، صعوبة تسويق الهيمنة الإيرانية كصيغة ترسم ملامح المستقبل.

والواضح أنه لا خلافة «داعش» أو «إمامة» طهران بمقدورها توفير الاستقرار الذي تحتاج إليه المنطقة، والذي يعتبره كيسنجر الهدف الأعظم للسياسة الخارجية. وبالنظر إلى أن كلتيهما سبب في المأساة التي تعانيها المنطقة حالياً، فإن السياسة الواقعية الوحيدة الجديرة بالدراسة، العمل على جعل كلتيهما أمراً من الماضي وفي حكم التاريخ. أما مسألة كيفية تحقيق ذلك، فقضية يمكن مناقشتها في وقت آخر.

المؤكد أن سياسة الفوضى الخلاقة التي انتهجتها إدارة جورج دبليو. بوش تمخضت عن أخطار خلقت بدورها فرصاً يتعذر على سياسة كيسنجر الساعية دوماً وراء توازن القوى، حسن استغلالها.

GMT 07:32 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

هذه المعارك التافهه!

GMT 07:29 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

المنطقة المأزومة

GMT 07:28 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

شريط الأخبار

GMT 07:44 2017 السبت ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

ترويع الآمنين ليس جهاداً

GMT 07:43 2017 السبت ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين ترفع رئيسها إلى مستوى ماو !

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحليل كيسنجر للشرق الأوسط يعج بالثغرات تحليل كيسنجر للشرق الأوسط يعج بالثغرات



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon