توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بوتين: أسير ماض عفّى عليه الزمان

  مصر اليوم -

بوتين أسير ماض عفّى عليه الزمان

أمير طاهري


في الوقت الذي يعتبر فيه استقاء الدروس من التاريخ من أول واجبات أي رجل دولة كفء، ينبغي عليه كذلك الحذر من استقاء دروسه الخاطئة.
أحد الأمثلة على ذلك هو سعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبناء استراتيجية وطنية مربوطة بلحظات تاريخية معينة ولت دون رجعة منذ زمن بعيد.
في هذا السياق، أمر بوتين بإقامة احتفالية كبرى بمناسبة ذكرى مرور 70 عاما على عقد مؤتمر يالطا التاريخي في شهر فبراير (شباط) عام 1945 الذي قام فيه الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل والزعيم السوفياتي جوزيف ستالين بتقسيم أوروبا في فترة ما بعد الحرب إلى مناطق نفوذ. ورفع الستار عن تماثيل جديدة مصنوعة من البرونز تصور «الثلاثة الكبار» في أحد المنتجعات في شبه جزيرة القرم، في مناسبة جديدة تستغلها روسيا للتأكيد مجددا على ضمها لشبه الجزيرة المطلة على البحر الأسود.
ومن قبيل المصادفة أن تحل ذكرى مؤتمر يالطا بالتزامن مع ذكرى مرور 40 عاما على اتفاقيات هلسنكي عام 1975، وهي محاولة لتقديم ما يسمى استراتيجية الانفراج ذات السند القانوني. وبينما يستدعي بوتين ذكريات مؤتمر يالطا كوسيلة للدعاية للمكانة الخاصة التي تحظى بها روسيا وسط دبلوماسية «الجوار القريب»، يشدد قادة الاتحاد الأوروبي، وخصوصا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، على أهمية اتفاقيات هلسنكي.
وتكمن المشكلة في أنه لا مؤتمر يالطا ولا اتفاقيات هلسنكي تعكس الحقائق الجديدة التي تواجه أوروبا الحائرة بين الرغبة في إعادة التوحد والتعطش للتأكيد على الذات القومية حسبما يظهر ذلك من خلال الحركات الانفصالية في اسكوتلندا وكاتالونيا إلى جانب مناطق أخرى في الاتحاد الأوروبي.
تحولت، بموجب مؤتمر يالطا، خطوط وقف إطلاق النار التي نتجت عن هزيمة ألمانيا النازية إلى حدود دائمة تخضع لضمانة القوى التي تسيطر عليها. كانت هذه الحدود مصطنعة في كثير من الحالات، ولكن هذه الحدود لم تكن، في بعض الحالات الأخرى، سوى إملاءات فرضها المنتصر مثل تقسيم ألمانيا إلى دولتين. ومع ذلك، أصرت اتفاقيات هلسنكي على وجوب احترام تلك الحدود المصطنعة بشكل كامل.
ولكن تلك الحدود تغيرت مرة أخرى على مدى الأربعين عاما الماضية. فانقسم الاتحاد السوفياتي إلى 15 جمهورية مستقلة وتوحدت الألمانيتان. وانضمت 3 جمهوريات كانت تابعة للاتحاد السوفياتي السابق إلى منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي. وانفرط عقد يوغوسلافيا إلى 6 جمهوريات منفصلة مع اعتبار كوسوفو دويلة سابعة. وانقسمت تشيكوسلوفاكيا إلى جمهورية التشيك وسلوفاكيا.
تعتبر وثيقة هلسنكي الختامية إطارا للقطة تاريخية لم تعد موجودة حاليا. ولذلك فإن آمال ميركل في إحيائها تعتبر مضيعة للوقت في أحسن الأحوال، كما أنه تصعيد للمخاطر المرتفعة التي تواجه الأمن الأوروبي في أسوئها.
كما أن وهم يالطا الذي يتعلق به بوتين يعتبر مناورة أكثر خطورة.
في البداية، لا تحظى فكرة وجود «منطقة نفوذ» روسية إلا بقليل من القبول بين الشعب المعني بهذا الأمر بشكل مباشر. وفقا لعدة استطلاعات رأي، حتى في روسيا نفسها، تعرب الأغلبية عن شكوكها في أفضل الأحوال بشأن ما يراه كثيرون استراتيجية ذات مخاطر مرتفعة. ومن المؤكد أن غالبية الروس يريدون أن تعود دولتهم لتتبوأ مكانة القوة العظمى ذات النفوذ الكبير الذي كانت تتمتع به على الساحة الدولية. إلا أن الأغلبية، عند سؤالها عما إذا كانت مستعدة لشن حرب بغية تحقيق هذا الهدف، تتبنى موقفا متناقضا في أحسن الأحوال.
كما أن فكرة إحياء مناطق النفوذ بموجب مؤتمر يالطا تحظى بقبول أقل حتى في المناطق التي يستهدفها بوتين بشكل مباشر. في أوكرانيا، يؤيد 16 في المائة من الشعب إنشاء اتحاد جمركي مع روسيا، مقارنة بنسبة 57 في المائة يرغبون في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وربما يكون الأهم من ذلك هو وجود تلك الأغلبية الضئيلة التي ترغب في انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو. وحتى في روسيا البيضاء، التي تعتبر الأكثر تأييدا لروسيا من بين الجمهوريات التابعة للاتحاد السوفياتي السابق، يزيد التأييد للانضمام لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي بمقدار الضعف عن نسبة التأييد لتوثيق العلاقات مع موسكو.
وفي منطقة القوقاز، تبلغ نسبة التأييد للانضمام لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي ما بين 70 و80 في المائة في جورجيا وأذربيجان. وحتى في أرمينيا، التي تعتبر أكثر موالاة لروسيا من بين الجمهوريات التابعة للاتحاد السوفياتي السابق، تميل الأغلبية بنسبة الثلثين إلى توثيق العلاقات مع الاتحاد الأوروبي بدلا من موسكو.
كثيرا ما لمح بوتين إلى أن خطوته المقبلة ستكون ضد مولدوفا حيث يسيطر على إقليم ترانسدينستر، الذي يسمي نفسه جمهورية، عناصر موالية لروسيا. ومع ذلك، توجد كذلك أغلبية تسعى للاندماج مع الاتحاد الأوروبي.
كيف يمكن لبوتين أن يأمل في إعادة فرض أسلوب «مناطق النفوذ» الذي تبناه مؤتمر يالطا في الماضي، بينما لا يوجد في الجمهوريات التابعة للاتحاد السوفياتي السابق من يرغب في التصويت لصالح ضم روسيا لشبه جزيرة القرم ناهيك عن الاحتلال الروسي لمقاطعتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عام 2008.
نجح ستالين في السابق في إنشاء منطقة نفوذ بموجب مؤتمر يالطا بسبب عدد من العوامل التي لم تعد موجودة حاليا.
في عام 1945، كان كثير من الدول الموجودة في شرق أوروبا ووسطها تنظر إلى الاتحاد السوفياتي باعتباره قوة تحرير ساعدت، بغض النظر عن جوانبها البغيضة، في دحر الوحش النازي. وفي الوقت ذاته، كان ينظر إلى الاتحاد السوفياتي من قبل شريحة لا بأس بها من اليسار الأوروبي باعتباره معقلا للاشتراكية في عالم غير يقيني بعد إسدال الستار عن الحرب. كانت هناك أحزاب شيوعية في جميع دول أوروبا الشرقية والوسطى، كان بعضها يتمتع بقواعد شعبية حقيقية. وفي أوروبا الغربية، كانت الأحزاب الشيوعية الموجودة في إيطاليا وفرنسا قوى سياسية رئيسية مخصصة لتأييد النفوذ السوفياتي ضد «الإمبريالية الأميركية». ولكن مشروع بوتين الخاص ببناء إمبراطورية، لا يحظى بمثل هذا التأييد على مستوى القواعد الشعبية في أي مكان من المناطق التي يرغب في مد نفوذه إليها. ويرجع ذلك بشكل جزئي إلى أن استراتيجية بوتين تفوح منها رائحة قومية القرن التاسع عشر. فلماذا يرغب مواطن مولدوفي، على سبيل المثال فقط، يتمنى أن يخسر استقلاليته التي حصل عليها مؤخرا فقط لمساعدة بوتين على تشييد دعائم إمبراطوريته؟ ونحن نعلم حاليا أن ضم شبه جزيرة القرم جاء بناء على عملية روسية عسكرية خفية على نحو رقيق وليست نتيجة انتفاضة شعبية قام بها مواطنون ناطقون بالروسية. فالروس يطلقون على هذا النوع من العمليات «ماسكيروفكا» أو «الحرب المقنّعة». وهذا هو سبب معاملة روسيا لشبه جزيرة القرم على أنها أرض محتلة بوضع نقاط تفتيش في كل مكان وفرض قيود على الحريات الأساسية للأهالي. 
ففي حين تستند استراتيجية بوتين في دبلوماسية «الجوار القريب» إلى أوهام مؤتمر يالطا، تدفعه رحلاته إلى منطقة الشرق الأوسط إلى تبني وهم آخر: التحالف السوفياتي مع الأنظمة العربية التي كانت تحت حكم العسكر أثناء الحرب الباردة. يتصور بوتين أن جمال عبد الناصر ما زال في سدة الحكم في القاهرة وأن حافظ الأسد بيده مقاليد الحكم في دمشق وصدام حسين هو الزعيم في بغداد وأن معمر القذافي هو القائد في طرابلس.
وينتهز بوتين فرصة توفرها له سياسة الرئيس باراك أوباما التي تقوض المكانة القيادية التي ظلت الولايات المتحدة تحظى بها على نحو تقليدي خلال فترة ما بعد مؤتمر يالطا. ومع ذلك، لا يوجد لدى بوتين ضمان بأن الولايات المتحدة ستبقى دائما على مسارها التائه الحالي.
سيظل الرفيق بوتين أسيرا للماضي نظرا لقراءته الخاطئة للتاريخ. وليست هذه أخبارا سيئة لروسيا وحدها، بل للعالم بأسره.

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بوتين أسير ماض عفّى عليه الزمان بوتين أسير ماض عفّى عليه الزمان



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon