توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اللاجئ.. والوطن

  مصر اليوم -

اللاجئ والوطن

مصطفي الفقي

ارتبطت فى أذهاننا لعدة عقود كلمة اللاجئين بالشعب الفلسطينى ومنظمة إغاثته «الأونروا»، فإذا نحن الآن أمام شعوب عربية تصدّر اللاجئين والنازحين إلى «أوروبا» فى ظروف إنسانية مؤلمة جسّدتها «صورة طفل» فى الثالثة من عمره وقد قذفت به أمواج «البحر الأبيض المتوسط» إلى الشاطئ، بعد أن غرق المركب الصغير الذى يحمل المئات من الباحثين عن الحياة، هروبًا من جحيم الموت فى بلادهم التى لفظتهم إلى الشتات والضياع والتشرد، فى وقت توصد فيه بعض الدول الأوروبية أبوابها أمامهم، وسط جدل دولى صاخب يناقش قضية اللاجئين عمومًا ويوزع أعدادهم على الدول التى تسمح باستقبالهم، و«مصر» ليست دولة جديدة على استقبال مَن لجأ إليها، بل إنها «الكنانة» التى استضافت الثوار من أنحاء الدنيا، والملوك والرؤساء والحكام الذين لا يجدون مأوى، ومازلنا نتذكر طائرة شاه إيران «محمد رضا بهلوى» وهى تجوب الأجواء بين الأصدقاء والحلفاء عندما رفضه الجميع، بما فى ذلك «الولايات المتحدة الأمريكية» التى تخلت عن حليفها كعادتها، ولم تستقبله إلا «مصر السادات»، لأنها تفتح ذراعيها لكل ذى حاجة أو مَن يطلب اللجوء إليها أو النزول إلى أرضها الطيبة، والذين لا يقدرون مرارة كلمة (لاجئ)- خصوصًا إذا كان مواطنًا عاديًا، هو وأسرته وأطفاله هاربون من جحيم المعارك ونيران القنابل وبشاعة «الإرهاب»- لا يعرفون على الجانب الآخر معنى كلمة (وطن)، التى لا يدرك حقيقتها إلا مَن يفقد ذلك الكيان الغالى، وقديمًا قال حكيم: (الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى)، كذلك قال الشاعر العربى: (لا يعرف الشوق إلا مَن يكابده ولا الصبابة إلا مَن يعانيها)، ونتذكر هنا ما قاله أمير الشعراء: (وطنى لو شُغلت بالخلد عنه نازعتنى إليه فى الخلد نفسى)، وينطبق هذا القول على أولئك الذين يفقدون أوطانهم ويجدون أنفسهم وقد ضاقت بهم الدنيا ولفظتهم الأرض ورفضتهم الدول وهم يقفون على الأسوار الشائكة عند الحدود المغلقة، ولعل ما يحدث للشعب السورى الشقيق هو كارثة بشرية مروعة ومأساة إنسانية لم يكن أحد يتوقع حدوثها، فالشعب السورى كان يستقبل اللاجئين من «فلسطين»، وأحيانًا من «لبنان» و«العراق»، فإذا به اليوم يتحول من مضيف كريم إلى ضيف غير مرغوب فيه، و«السوريون» ليسوا أى شعب، لأنهم دعاة الوحدة وحملة لواء القومية منذ منتصف القرن التاسع عشر، إنه البلد الذى جزع أمير الشعراء أيضًا عند عدوان «فرنسا» عليه فى الربع الأول من القرن الماضى عندما قال: (لحاها الله أنباء توالت على سمع الولى بما يشق)، ومضى فى رائعته حتى قال: (وعز الشرق أوله دمشق)، ونحن هنا فى «مصر» لدينا ارتباط خاص بالشعب السورى، فقد خضعنا معًا لحكم واحد مرتين، الأولى فى القرن التاسع عشر (1831- 1840) والثانية فى القرن العشرين (1958- 1961) فى عهدى التوسع المصرى بقيادة «محمد على» فى الأولى، و«جمال عبدالناصر» فى الثانية، ومازلت أتذكر ما قاله لى زملائى الدبلوماسيون الذين ذهبوا لإعادة فتح السفارة المصرية فى «دمشق» عند نهاية ثمانينيات القرن الماضى، وكيف أخذهم سائق «التاكسى» السورى عندما لاحظ لهجتهم المصرية إلى منزله مباشرة ضيوفًا لتناول طعام إفطار رمضان لديه وقد كانوا متوجهين إلى مطعم معروف، فإذا الحب السورى للمصريين يدفع ذلك المواطن العادى إلى قراره الذى يعكس متانة العلاقة بين البلدين وأصالة الشعب السورى الذى أصبح اليوم شعب الشهداء واللاجئين والنازحين، وليس المهم عندى مَن يحكم «سوريا»، ولكن الأهم هو أن تبقى «سوريا»، التى تنهشها الأطماع الإقليمية من «إسرائيل» إلى «تركيا» و«إيران»، وتعبث بأرضها جماعات إرهابية وحشية دمرت الآثار وعبثت بالتاريخ وزيفت الدين وسفكت الدماء وذبحت الأبرياء وهى تحاول طمس الهوية القومية لذلك البلد العريق، إذ إن «دمشق» واحدة من أقدم مدن الدنيا على الإطلاق، وهى شاهدة على كل عصور التاريخ المكتوب، وعندما أسمع عن «البراميل» المتفجرة تمطر الشعب السورى فلابد أن يصيبنى حزن بغير حدود، والعالم يلهو متفرجًا وقد يمصمص البعض الشفاه فى مواساة ظاهرية لا تقدم ولا تؤخر، ولعل المشهد المأساوى لمراكب الموت تمخر عباب «البحر الأبيض المتوسط» متجهة إلى المجهول، هربًا من الجحيم، هو تجسيد حى لمأساة الشعب السورى الأبى الذى احتضن «العروبة»، بعدما استقبل قبلها «المسيحية» و«الإسلام» على التوالى.

إننى أتطلع إلى دور مصرى قوى وفاعل يقود «الجامعة العربية» نحو موقف قومى موحد لإنقاذ «سوريا»، الدولة والوطن والشعب، خصوصًا أن سقوطها المحتمل وتقسيمها المنتظر لن ينعكس على «دول الجوار» وحدها، ولكنه سوف يفتح بوابة الأطماع الأجنبية فى الأرض العربية كلها بغير استثناء، ولاسيما أن الجهود الدولية لإنقاذ «سوريا» بطيئة وباردة، فى ظل وضع إقليمى متراجع بفعل الأحداث التى شهدتها المنطقة فى السنوات الأخيرة، ويجب ألا ننسى أن القهر والاستبداد والفساد هى الخلفية المعتادة لقيام الثورات وسقوط الأنظمة ووقوع المآسى والكوارث والنكبات.

يا إلهى كن مع الأطفال والأرامل والثكالى فى شعب يدفع ضريبة الحياة كل يوم عدة مرات، واحفظ لنا وطننا حتى لا نرى ذات يوم (لاجئًا مصريًا)، فالموت أهون وأرحم، فكل شىء يمكن تعويضه إلا الوطن يا رب العالمين!

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللاجئ والوطن اللاجئ والوطن



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon