توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وابور الجاز

  مصر اليوم -

وابور الجاز

عمار علي حسن

مع ضُحى كل جمعة، يجلس «شعبان» صامتاً بين بوابير الجاز. ينفخ فى هذا لتسليك الفونية المسدودة حتى يندفع الكيروسين إلى أعلى فيشتعل، ويلحم هذا بالقصدير ليسد ثقباً صغيراً يجعل الوابور يفرغ الهواء فلا يزهر باللهب، ويُقيم أرجل هذا بعد أن تآكل أو كُسر رأسه فيجبرها أو يغيرها مما يوجد معه من قطع غيار مستعملة أو جديدة، نائمة فى قلب الصندوق الذى يحمله على ظهره كل أسبوع قادماً من مدينة المنيا إلى قرية الإسماعيلية. يجلس والعيال يتحلَّقون حوله وعيونهم معلقة بيديه اللتين تعملان فى دأب، والدهشة تكسو وجوههم وكأن «شعبان» يخترع ما لم يصل إليه أحد من العالمين. طالما رأوا الفلاحين يضربون بالفؤوس والمناجل، ويلفون الطنبور فتتدفق المياه إلى زروعهم العطشى. ويرون النجار وهو يشق جذوع الشجر بمنشاره ويقطع بقادومه ويدق بشاكوشه. ويعرفون المذراة التى تفصل القمح عن التبن. هذا كله أصبح عادياً لهم. أما ما يفعله «شعبان» فهو جديد وغريب عليهم. على المصاطب فى المساءات الرائقة يأتى الناس على ذِكر «شعبان» كثيراً. يقولون: إنه طالب فى المدرسة الفنية الصناعية، مات أبوه وترك له أختاً تكبره وتدرس بمدرسة التجارة، ويعول نفسه وإياها. ستة أيام فى المدرسة، ويوم واحد للعمل، يلملم فيه بعض قروش الفلاحين الكادحين ويعود إلى البندر. - والله بطل. - شاب محترم. - يأكل لقمته بالحلال. - كان يمكن أن ينحرف فيصبح نشالاً، لكنه سيكمل تعليمه ويجد وظيفة. هكذا كان يقال عن «شعبان» فى ليالى السمر أو خلال فترة الراحة القصيرة التى تتوسط ساعات الكدح فى الحقول تحت الشمس الحارقة. ظهور «شعبان» فى قريتنا جعل «الكانون» فى خبر كان. كل امرأة ضغطت على زوجها ليشترى لها وابوراً بدلاً من نار الخشب التى تزجى دخاناً يكتم الصدور ويلهب العيون. ومع الأيام صارت بعض الفلاحات يحملن البوابير إلى الحقول فنجت الأشجار من التقليم الجائر. تقدمت الاختراعات فصنع الصناع «وابور الشرائط» وكانت أعطاله أقل فتضاءل رزق «شعبان»، لكنه كان يأتى كل جمعة ويجلس فى مكانه المعتاد صامتاً ويداه الملطختان بالهباب لا تكفان عن العمل. وفى يوم تزوجت ابنة شيخ البلد، فأحضر لها أبوها موقداً اسمه «البوتاجاز» له أربع عيون تشتعل فى وقت واحد، ومعه أنبوبة كبيرة، كان خادمهم يذهب كل شهر ليملأها بغاز البوتاجاز من البندر. بعدها اشترطت الأمهات على خُطَّاب بناتهن أن يكون البوتاجاز أول قطعة فى جهاز العروس. وهكذا راحت البوابير تتناقص فتناقصت زيارات «شعبان» لبلدنا، لتصبح مرة واحدة كل شهر. يأتى فيجلس فى مكانه من الضحى حتى قدوم الليل ثم يذهب. وقيل إنه حصل على الدبلوم وعمل فى وظيفة بمصلحة الكهرباء، وأخته توظفت بمجلس المدينة، لكنه يواصل إصلاح البوابير ليحسن دخله، لكن أين البوابير؟ جاء يوم وجلس مكانه، لكن أحداً لم يأتِ له بشىء حتى حل المساء. وراقبته العجوز التى يسند ظهره إلى حائط بيتها المتداعى، وحزنت لحاله. وقبل أن ينهض من قعدته الطويلة جاءت وفى يدها كيس بلاستيكى به كيزان ذرة خضراء، وقالت له: - بدلاً من أن تعود ويدك خالية. اعتذر لها، لكنها أصرت، فأخذ الكيس ومضى صامتاً. بعدها لم يظهر أبداً. ومع انتشار البوتاجاز فى كل البيوت غارت سيرته، ولم يعد أحد يتحدث عن كفاحه فى ليالى السمر، ولا أوقات الراحة بين ساعات الكدح فى الحقول. ذهبت ذكراه مع وابور الجاز إلى الأبد.

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وابور الجاز وابور الجاز



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon