توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حَجر الخِلفَة

  مصر اليوم -

حَجر الخِلفَة

عمار على حسن

لم يُهدِ «أسامة حبشى» روايته القصيرة الساحرة «حجر الخلفة» إلى الأديبين المكسيكى خوان رولفو والإيطالى إيتالو كالفينو من فراغ، بل إعجاباً بهما وربما تمثلاً لهما، فالأول واحد من رواد الواقعية السحرية فى العالم ممن ولد على كفيه مبدعوها فى أمريكا اللاتينية وعلى رأسهم جابريل جارثيا ماركيز، والثانى هو كاتب «حكايات شعبية إيطالية» التى تبرهن على أن الموروث الشعبى فى العالم بأسره يحمل الكثير من المشتركات، ففى النهاية «كلنا لآدم وآدم من تراب». وحبشى لا يقف عند حد الاقتداء بهذين الأديبين الكبيرين فى بناء عالم أسطورى مدهش وكتابة جمل شاعرية مقتصدة، تقطر بالجمال أحياناً، بل يتعدى الأول فى الإغراق أكثر فى خيال خالص، والثانى فى عدم الوقوف عند حد جمع المتداول من الحكايات الشفاهية المتداولة إلى إبداع حكاية خاصة، تطير بنا فوق الأرض، وتحلق فى عالم لا ينتمى إلى أى تجربة حياتية مباشرة، عاشها أى واحد منا وكابد أوجاعها أو انتشى بمسراتها. والرواية هى قصة صراع بين كائنين خرافيين، الأول هو «نون» ربة الماء ورمز الخصوبة التى ولدتها سيدة كانت تشارك سيدات القرية فى زيارة «حجر الخلفة» بحثاً عن الذرية والانتشاء الجنسى، والثانى هو «ألف» رب الرمل، العاقر المخصى الذى يرمز للجدب. ويصفهما الراوى قائلاً: «هما إلهان متفردان، ولكل منهما جسد يمتد من شمال البلاد إلى جنوبها، جسدان إن أرادا لمس الشمس لفعلا». وهنا تصير هى تعبيراً عن الوجود، ويصير هو تعبيراً عن العدم، ولأن الماء والرمل لا يمتزجان، ينشب بينهما صراع ضار، يعقب استعمالهما سويا فى إبادة الجنس البشرى لتعود الأرض إلى هيئتها الأولى قبل أن يدب عليها الآدميون. وبعد معركة فاصلة بين «نون» و«ألف» يرمى كل منهما فيها إلى الانفراد بالسيطرة على كوكب الماء والرمل، يكتشفان أنه لا مناص من السلام، أو حتى الدخول فى هدنة طويلة، لينتصر الحب فى النهاية بعد أن «أدركا سويا أنه يمكن قتل الوحدة، واختراع الحب، وأنه لا يمكن قتل الخلاء، حيث هو الأصل قبل الكلمة، وفيما قبل الروح، ولا يجوز انتزاع الماء من مملكته. أدركا معاً ما لم تدركه الآلهة جميعاً» فاكتشفا خلق العالم من جديد، دون الاستماع لراهب أو كاهن أو حكيم. أدركا أن كل سنوات حياتهما، والتى قد نراها نحن مليارات السنوات، ما هى إلا مجرد بحث لا ينقطع وراء المعرفة اللانهائية، أدركا أن لكل منهما ذات هى كل الآلهة وكل المعرفة. أدركا أن هذين الجيشين اللذين يقتتلان الآن ما هما إلا ثمرة قد يمكن لها النمو أفضل من هيئتها المزرية الحالية، قد يمكن لها احترام سمكة أو رعاية زهرة برية وحيدة فى قلب صخرة مهجورة، قد يمكن الحفاظ على أطفالهم من ويلات الحروب الوهمية فى مبرراتها». فى هذه الرواية القصيرة لا مجال لسؤال عن معمار أو بناء تقليدى أو مسار برهنة أو حبكة، فنحن أمام متاهة ملغزة يرويها «سارد مراوغ» تعتمد على المفارقة والحكى الشفاهى المنساب بلا قيود وإطلاق العنان للخيال، وفيها احتفاء مفرط بالرموز واستدعاء قوى، بل جامح، للخرافات وتفاعل ملموس مع كل ما سبق من حكايات فرعونية، حيث حجر الملك رمسيس، من حمى مصر وصد عنها العدوان، وأساطير إغريقية حيث تعدد الآلهة وتصارعها، بل نحن أمام الطبيعة البشرية حيث هابيل الذى يرمز للخير والسلام وقابيل الذى يرمز إلى الشر والحرب. ونحن أمام استعادة لأسطورة إيزيس وأوزوريس، حيث يبحث كل منهما عن الآخر، فى كل مكان، وأمام استفادة من العطاء الزاخر لـ«ألف ليلة وليلة»، وأمام محاولة لاستعادة قصة الخلق وتطور البشرية عبر تاريخها الطويل، إذ تتتابع الإشارات إلى الفراعنة والبابليين والأشوريين والفينيقيين والسومريين، ويأتى على ذكر إخناتون والفلاح الفصيح وصولاً إلى معسكرات النازى والقنبلة النووية التى سقطت على هيروشيما وناجازاكى، مروراً بأسطورة مصاصى الدماء ومحاربى الساموراى وإبادة الهنود الحمر. ورغم كل هذا الإيغال فى التاريخ والأساطير فإن الرواية تحمل إسقاطاً على واقعنا السياسى والاجتماعى، من زاوية فضح التشرذم والتفكك والاتجار بالدين، ومن نافذة بحث الناس فى دأب عن مخلص من طراز فرعونى، ليكون ملكاً محارباً يبيد الغزاة، ويصون هوية البلد. لكن مجال التنعم فى رواية حبشى، وهى الثالثة فى مسيرته بعد «موسم الفراشات الحزين» و«خفة العمى»، هو الغرائبية التى تطفح بها السطور، والتى تبرهن على ضرورة أن يستفيد مبدعونا من العجائبى فى تراثنا، وما أغزره، فى وقت استفاد فيه مبدعون غير عرب منه، فاقتطفوا أو وقعوا فى «تناص» و«تلاص» مع «ألف ليلة وليلة» وما حفلت به «متون الأهرام» و«الجيبتانا» والحكايات الشعبية المصرية القديمة التى جمعها عالم المصريات الفرنسى ماسبيرو فى كتاب بديع.

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حَجر الخِلفَة حَجر الخِلفَة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon