توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لغة أكاديمية مفهومة (1-2)

  مصر اليوم -

لغة أكاديمية مفهومة 12

عمار علي حسن

من الأمور التى ترد على خاطرى دوما، ذلك الحديث السريع والخافت الذى أدرته ذات مرة مع بعض أساتذتى عن نفور القراء والمقبلين على المعرفة من مصطلحات الأكاديميين ولغتهم التى ينسجون منها عبارات جافة بلا روح، أو مستغلقة على الأفهام. تساءلت يومها تساؤل تلميذ يريد أن يعرف لا أن يفرض رأيا أو توجها، أو يبدى تبرما من مسلك ما فى طرح الأفكار وتناول المعارف الإنسانية، وكان الرد موجزا وقاطعا من أغلبهم ودار جله حول ضرورة أن تكون لدينا لغة للبحث الأكاديمى، تختلف عن الكتابات الأخرى التى تفتقد إلى التحديد والصرامة التى يوجبهما العلم، ويجود بها علينا الكتاب الصحفيون والأدباء ومن لف لفهم، حيث تختلط لدى الأغلبية منهم المفاهيم والمعانى وترتبك إلى أقصى حد، وأبعد مدى، وتقع أحيانا خارج التفكير العلمى، الذى له شروط يتعارف عليها العلماء فى مشارق الأرض ومغاربها. واستقبلت هذا الرأى باحترام يتناسب مع تقديرى لمن أدلوا به، لكن ظل فى نفسى شىء من عدم الارتياح له، راح ينمو بمرور الأيام وتوالى القراءات، حيث وجدت أن كثيرا من الكتب التى أحدثت نقلة فى حياة البشر، ونهضة فى تاريخ الإنسانية، وتركت علامات قوية لا يمحوها الزمن، وظلت حية يتم تداولها رغم تقدم الزمان وتبدل الأمكنة، كانت مكتوبة بلغة فياضة، تشد النفس، وتوقظ المشاعر، فى حين تحفر فى العقل معانى ومفاهيم وقيما عميقة. وكلما أوغلت راحلا فى صفحات هذه الكتب، ثار داخلى سؤال آخر حول جدوى أن تكون العلوم الإنسانية بلا إنسانية. أى لا تتعامل مع الإنسان بوصفه روحا ومادة يزاوج بين العقل والمشاعر، ويحمل بين جنبيه إرادة الاختيار وملكة التذوق. وراح هذا التصور يكبر فى نفسى رويدا رويدا حتى استقر فى يقينى وبات اقتناعا راسخا، لا يحلق فى فراغ، إنما ينبنى على عدة معايير قابلة للزيادة، سواء لدىّ أو لدى كل من يميل إلى هذا الرأى، أولها أن طبيعة الأمور واستقامتها تفرض على الجامعات فى كل مكان أن تشتبك مع قضايا المجتمع، ليس لتحقيق ما على عاتقها من دور تنموى فحسب، بل أيضاً لتعزيز قدراتها العلمية بتجديد مناهجها ونظرياتها. فالنظريات الكبرى فى العلوم الإنسانية انبثقت من الإمعان والتدقيق فى سلوكيات البشر وحركاتهم وتصرفاتهم وأشواقهم وأحلامهم التى يزخر بها الواقع المعيش. وثانيها أن الظواهر الإنسانية متشابكة إلى أقصى حد، ولا يمكن الوقوف عليها وقوفا صحيحا إلا إذا تم تحليلها إلى عناصرها الأولية، أو تفكيكها إلى ما تنطوى عليه من مكونات سواء أساسية أم ثانوية. ومن بين هذه العناصر والمكونات ما يتعلق بالجانب الروحى، الذى يفيض بالمعتقدات والمشاعر والإيمان بالرموز، وهذا الشق الإنسانى لا يمكن التعبير عنه بلغة جافة تفتقد الحس وتفتقر إلى البساطة والوضوح. أما ثالثها فإن القارئ يتفاعل مع أى «نص» أو «مكتوب» ويفهمه ليس كما يريد صاحبه بالضبط، بل أيضاً حسب ما تجود به ثقافة هذا القارئ وميوله وخلفيته التعليمية والطبقية والدينية، بحيث ينتج هو نصه الخاص على هامش النص الأصلى. وهذا يجعل لدينا فى نهاية المطاف نصوصا أو أشباهها بعدد من قرأوا ما هو مكتوب. وبالتالى فإن الحديث عن صرامة لغوية فى البحوث والدراسات الإنسانية أمر يحتاج إلى إعادة نظر، فمهما كانت هناك تدابير يتبعها الباحثون كى تخرج العبارات دقيقة لتصف الحالة أو الظاهر كما ينبغى لها، فإن هذا لن يمنع القارئ من تلقى هذا الوصف بالطريقة التى تحلو له، ويتسع هذا التلقى وتزيد مساحة التأويل والتفسير والتخمين والتكهن كلما كان النص معقدا وجافا. والرابع هو أن التعقيد لا يعنى بالضرورة الضبط العلمى، كما أن سهولة العرض لا تعنى فى الوقت ذاته الخروج عن مسار العلم ومقتضياته. كل ما فى الأمر أن الباحث مطالب بألا يستعمل لغة عامة «حمالة أوجه» أو عبارات إنشائية غارقة فى البلاغة إلى الدرجة التى تلفت فيه الانتباه لذاتها، وتصبح الكتابة لديه مجرد تشكيل جمالى للغة، لأن هذه هى مهمة الأدب وفنونه عموما وليس العلم. وما هو مطلوب هنا أن تكون اللغة جلية ورشيقة ومنضبطة فى آن، بحيث تعبر عن صميم الظاهرة، وترسم ملامحها بدقة، لكنها لا تنفر القارئ منها، ولا تجعله يشعر أن الباحث والدارس قد كتب ما كتبه لنفسه أو حفنة صغيرة من زملائه الأكاديميين داخل أسوار المعاهد والجامعات. (ونكمل غدا إن شاء الله تعالى) نقلاً عن "الوطن"

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لغة أكاديمية مفهومة 12 لغة أكاديمية مفهومة 12



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon