توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تاريخ ما أهمله التاريخ: التطبيع الرياضى والتصرف التلقائى!

  مصر اليوم -

تاريخ ما أهمله التاريخ التطبيع الرياضى والتصرف التلقائى

بقلم مصطفي الفقي

نتوهم نحن العرب أن مسألة التطبيع مع «إسرائيل» مازالت تمثل هاجساً تاريخياً لديها، والأمر لم يعد كذلك، إذ إن وضعى «إسرائيل» الدولى والإقليمى مستقران إلى حد كبير، ولم تعد- للأسف- بحاجة إلى شهادة عربية لإثبات وجودها وتأكيد أمنها، فلقد تغيرت الأحوال وتبدلت الصورة إلى حد كبير، وأصبح كثير من الدول العربية تهرول إليها سراً وإن استحت أن تفعل ذلك علناً وأصبح سلاح التطبيع فى خبر كان!

ولأن «إسرائيل» دولة عنصرية عدوانية توسعية فإن الأجيال المتتالية قد تربت على مجموعة من المخاوف السياسية والثقافية والدينية التى تحول دون التعامل الطبيعى معها، وأصبحت لدى الأجيال العربية صورة مبالغ فيها لشخصية الإسرائيلى، وكأنما هو يملك قدرات هائلة ومخيفة تستوجب الابتعاد عنه، وتلك ظاهرة مرضية صنعت ذلك (التابو)، أى مجموعة المخاوف والمحاذير التى تحيط بالأمر كله، لقد ثارت القضية من جديد بعدما رفض لاعب الجودو المصرى مصافحة خصمه الإسرائيلى بعد مباراة فى الدورة الأوليمبية بـ«البرازيل»، وظهرت صورته وهو يعطى ظهره للإسرائيلى الذى يمد يده للمصافحة بعد فوزه على اللاعب المصرى، وهى صورة موحية ومؤذية فى ذات الوقت، لأنها تمثل رسالة سلبية تجسد الصورة الذهنية للعرب فى العقل الجمعى للرأى العام الدولى، فالعربى المهزوم يرفض مصافحة غريمه الإسرائيلى أو حتى النظر إليه فى مخالفة صارخة للروح الرياضية ومبادئها المعروفة وتقاليدها الراسخة، وكنت أتمنى لو أن اللاعب المصرى قد رفض من البداية المواجهة مع خصمه الإسرائيلى، وكان ذلك سوف يعد تصرفاً سلبياً وموقفاً انسحابياً، ولكنه أقل ضرراً من المشهد السخيف الذى نشرته الصحف ووكالات الأنباء على امتداد قارات العالم كله فى شهادة دامغة تسىء إلى صورتنا أكثر مما هى سيئة- كعرب ومسلمين- أمام غيرنا من أمم الأرض وشعوب الدنيا، لقد استثمرت «إسرائيل» ذلك الحدث الرياضى العابر، حتى إن رئيس وزرائها الملطخة يداه بدماء الفلسطينيين وقف يعلمنا مبادئ الإسلام قائلاً: «إن دينكم يدعو إلى إفشاء السلام ومصافحة الغير»، وسوف يقول الكثيرون ممن يستحسنون تصرف اللاعب المصرى إن ما قام به هو تصرف تلقائى وطبيعى فى مواجهة من ينتمى إلى دولة تقتل الأطفال وتهدم البيوت وتدنس الأقصى وتقهر الفلسطينيين على مدار الساعة، وهذا صحيح، ولكن رد الفعل العربى يفتقد إلى الكياسة والحصافة ولا يخلو من سذاجة وحماقة، فـ«إسرائيل» استفادت بما حدث وخسر العرب بما جرى، خصوصاً أن مجال الرياضة هو آخر ما يجب أن يتعرض لمثل هذه المواقف السياسية غير المبررة، ولعلنا نتذكر أن هناك ما يسمى «دبلوماسية الرياضة»، التى فتحت آفاقاً واسعة وأحدثت اختراقاً فى العلاقات الساكنة، بل والمتجمدة، بين الدول فى العقود الأخيرة، ومازالت مباراة تنس الطاولة بين الفريقين الأمريكى والصينى، فى مطلع سبعينيات القرن الماضى، تمثل علامة فارقة فى التطبيع السياسى والتمهيد الدبلوماسى للعلاقة بين الدولتين الكبيرتين، والتى مهدت لحكومة «بكين» أن تحصل على مقعدها الدائم فى «مجلس الأمن»، إننى أظن أن ما جرى فى الدورة الأوليمبية بـ«البرازيل»، من جانب اللاعب المصرى، هو أمر يثير التساؤل حول جدوى تكرار مثل هذه التصرفات التى لم تعد متماشية مع روح العصر، بل وغير مدركة للمفهوم الصحيح للتطبيع، إذ إن مصافحة اللاعب المصرى الشاب لخصمه الإسرائيلى لا تقدم ولا تؤخر بالنسبة لنا، ولكن الامتناع عنها بالصورة التى رأيناها هو إساءة بالغة لنا وتصرف غير موفق يحسب علينا، واللاعب المصرى مظلوم لأنه قد جرى شحن ذهنه عبر سنوات عمره بمفاهيم تحتاج إلى مراجعة فى ظل ظروف جديدة لم تعد فيها «إسرائيل» تتسول نعمة «التطبيع» مع العرب، إذ إن كثيراً من العواصم التى تعتبر قلاعاً للعروبة والإسلام تغازل «إسرائيل» من طرف خفى وتسعى سراً لما قام به الرئيس المصرى الراحل «أنور السادات» علناً دون مواربة أو تمويه أو إخفاء، لقد تغيرت الدنيا وتبدلت الأوضاع الدولية والإقليمية، ويعتبر من قبيل الرشد السياسى أن نعيد النظر فى كثير من المسلمات التى ورثناها من الصراع العربى- الإسرائيلى الطويل، مدركين أن ما يحدث فى العقود الأخيرة ليس حلاً لذلك الصراع، ولكنه مجرد إدارة له، وهو صراع مرير ومعقد بحيث أصبح من المتعين علينا أن ندرك ما جرى وأن نستوعب ما حدث، فلقد فاتنا قطار التسوية بعد أن توقف فى محطات مختلفة، ولكننا أضعنا- إسرائيليين وعرباً- فرصاً يتذكرها الجميع، ولقد حضرت منذ أكثر من ربع قرن محاضرة لوزير خارجية إسرائيل الأسبق «أبا إيبان»، فى النادى الدبلوماسى بـ«القاهرة»، قال فيها لأول مرة: (إن الصراع العربى- الإسرائيلى هو صراع الفرص الضائعة من الجانبين على حد سواء).

إننا نحن العرب لابد أن نفكر بأسلوب مختلف وبفكر رشيد ووعى كامل بالمتغيرات والتحولات حتى لا نكرر ذلك المشهد الذى تناقلته وكالات الأنباء مؤخراً، ولنعترف جميعاً بأن التطبيع مع «إسرائيل» لم يعد سلاحاً فى يدنا له قوة ما كان عليه فى القرن الماضى، ولنحترم تقاليد الرياضة وآدابها وروحها السامية، وألا نقحم السياسة فى غير موضعها فلا يتحقق مكسب لنا، بل تكون الخسارة علينا، وفى النهاية فإن قلبى مع لاعب «الجودو» المصرى، الذى فرضت عليه الثقافة العربية والإعلام القومى أن يتصرف على النحو الذى رأيناه!

GMT 08:29 2019 الجمعة ,10 أيار / مايو

في حضرة العلماء

GMT 00:23 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

نائب الرئيس

GMT 03:09 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

صناعة الدساتير

GMT 02:26 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة بلد الاكتشافات الجغرافية

GMT 04:22 2018 الخميس ,23 آب / أغسطس

الأصول المصرية.. الهوية نموذجاً

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تاريخ ما أهمله التاريخ التطبيع الرياضى والتصرف التلقائى تاريخ ما أهمله التاريخ التطبيع الرياضى والتصرف التلقائى



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon