توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الثورة لدى نجيب محفوظ (1)

  مصر اليوم -

الثورة لدى نجيب محفوظ 1

عمار علي حسن

لم تكن الثورة عند نجيب محفوظ أمراً متعيناً فى واقعه المعيش، وفيما يبدر عنه من سلوك وتصرفات. فالرجل كان يميل إلى الإصلاح الهادئ والناعم، ويختار مأمون العواقب من الأفعال والأشياء، وينفر من الدم والإرباك قدر نفوره من نزعة التسلط التى تنتاب بعض الراغبين فى التغيير الجذرى والجائح تحت طائلة «الشرعية الثورية» أو مواجهة «الثورة المضادة» عبر الإقصاء والتطهير. هكذا بان فى موقفه من ثورة يوليو، حسبما تجلى فى ثنايا بعض رواياته، أو فى تعليقاته المقتضبة التى نقلت عنه، ونسبت إليه. لكن محفوظ هو ابن شرعى لثورة عظيمة فى تاريخ مصر، وما أبدعه من أعمال سردية هبة لهذه الثورة، ليس لأنها انعكست فى أعمال عديدة له، موضوعاً ومضموناً وسياقاً وشخصيات ورؤى ومشاعر، بل لأنها شكلت وعيه بالمجتمع والعالم، وعاشت معه طيلة حياته، ينهل منها ويحن إليها ويقيس عليها. إنها ثورة 1919 التى أحبها حباً جماً، وارتبطت فى ذهنه بالتحرر والراحة، وهو ما يعبر عنه فى كتابه الأثير «أصداء السيرة الذاتية» قائلاً: «دعوت للثورة وأنا دون السابعة. ذهبت ذات صباح إلى مدرستى الأولية محروساً بالخادمة. سرت كمن يساق إلى سجن، بيدى كراسة وفى عينى كآبة، وفى قلبى حنين للفوضى، والهواء البارد يلسع ساقىّ شبه العاريتين تحت بنطلونى القصير. وجدنا المدرسة مغلقة، والفراش يقول بصوت جهير: بسبب المظاهرات لا دراسة اليوم أيضاً. غمرتنى موجة من الفرح طارت بى إلى شاطئ السعادة، ومن صميم قلبى دعوت الله أن تدوم الثورة إلى الأبد». وظل سعد زغلول هو الزعيم السياسى والرمز الوطنى المكتمل فى نظر محفوظ، فما صوره إلا فى أبهى الصور، وما أتى على ذكره إلا بأنبل وأفضل الكلمات فى الغالب الأعم. هكذا يحصى ويجلى لنا مصطفى بيومى فى كتابه المهم «سعد زغلول فى الأدب المصرى»، وهكذا نعرف من تتبعنا لما يقوله عنه أبطال الثلاثية (بين القصرين، قصر الشوق، السكرية) وما ورد فى كتابه المختلف «أمام العرش». فهذه الصورة تبدأ باهتة قبل انطلاق الثورة، مثلما نفهم من كلام أحمد عاكف بطل «خان الخليلى» حين يقول عن سعد رغم حبه له واتخاذه مثلاً أعلى: «لقد مهد له صهره سبل النجاح، ولولا صهره ما كان سعداً الذى نعرفه»، بل إن طاهر الأرملاوى أحد شخصيات رواية «قشتمر» يبدى رأياً أكثر وضوحاً وصراحة حين يبوح بأن والده ليس معجباً بتاريخ سعد. وبينما لا يلقى ياسين عبدالجواد بالا لسعد حين يذكر اسمه أمامه كأحد أعضاء الوفد الذى ذهب للتفاوض مع الإنجليز، يبدأ أخوه فهمى فى تكوين فكرة أولية عن الزعيم، فيعول عليه مع الأيام أن يكون مثل مصطفى كامل ومحمد فريد، لنصل إلى الشيخ هجار المنياوى أحد شخصيات «المرايا» الذى يعلم تلاميذه طرفاً من سيرة سعد، والشيخ متولى عبدالصمد، أحد شخصيات الثلاثية، الذى يضيف اسم سعد إلى دعائه المسترسل الدائم. ومع اندلاع الثورة ننتقل مع محمد عفت أحد شخصيات «الثلاثية» أيضاً إلى وضع مقدس لسعد، حين يقول عنه: «أثبت دائماً أنه جدير بإعجاب المعجبين، أما حركته الأخيرة فهى خليقة بأن تحله من القلوب فى أعز مكان»، بل يصل الأمر عند فهمى عبدالجواد إلى أن يشبه مهمة سعد بمهام الرسل الكرام، حين يقول: «سيعمل سعد ما كانت الملائكة تعمله»، ويطلب أحمد عبدالجواد من جميل الحمزاوى، العامل فى متجره، أن يعلق صورة سعد تحت البسملة، لأنه فى نظره صاحب كرامات. ويصل الأمر بإسماعيل قدرى فى «قشتمر» أن يجيب عندما يسأله أصدقاؤه عن تخيله لله سبحانه وتعالى: «لعله شىء مثل سعد لكنه يمارس سلطانه على الكون كله». ويؤكد منصور باهى الماركسى، أحد شخصيات رواية «ميرامار» هذا المعنى، حين يقول عنه سعد: «لقد عبده الجيل السابق عبادة». وحين يموت يتحول تاريخ وفاته إلى سنة تقاس عليها الأيام، إذ يقول عفت: «نحن فى السنة الثامنة بعد وفاة سعد»، ليصبح سعد: «رجل ولا كل الرجال، لبث لحظة من الحياة باهرة ثم مضى»، ليترك حزناً دفيناً حتى فى نفوس الأطفال، كما نعرف من الحكاية رقم (23) من «حكايات حارتنا»، إذ يروى بطلها الطفل: «... أثب من الفراش مندفعاً نحو الباب المغلق، أتردد لحظة ثم أفتحه بشدة لأواجه المجهول. أرى أبى جالساً. أمى مستندة إلى الكونصول. الخادمة واقفة عند الباب. الجميع يبكون. وترانى أمى فتقبل علىّ وهى تقول: أفزعناك.. لا تنزعج يا بنى. أتساءل بريق جاف: ماذا؟ فتهمس فى أذنى بنبرة مختنقة: سعد زغلول.. البقية فى حياتك!، فأهتف من أعماقى: سعد!، وأتراجع إلى حجرتى، وتتجسد الكآبة فى كل منظر». (نكمل غداً إن شاء الله تعالى) نقلاً عن جريدة "الوطن"

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثورة لدى نجيب محفوظ 1 الثورة لدى نجيب محفوظ 1



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon