توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عندما يكتب التاريخ

  مصر اليوم -

عندما يكتب التاريخ

مصطفي الفقي


تؤرقنى منذ سنوات بعيدة إشكالية معقدة تتصل بالعلاقة بين الرواية التاريخية والرواية الدينية، فالرواية التاريخية تعتمد على أثر قائم أو كيان ملموس فهناك من ملوك الفراعنة «خوفو» و«خفرع» و«منقرع» لأن لهم أهرامات تؤكد وجودهم فى عصرهم، أما الرواية الدينية فهى تقوم على فلسفة «الإيمان» الذى قد لا يكون ملموسًا ولا أثر له، فأصحاب الديانات المختلفة يؤمنون بمعجزات قد لا يقبلها العقل ولكنها تستقر فى الوجدان وتترسب فى أعماق أصحاب العقائد، لأن الأصل فى «الإيمان» هو الاقتناع دون شرط القبول من العقل الدنيوى العابر، ولقد استهوتنى دراسات متعددة قام بها بعض المؤرخين للمقارنة بين توقيت الرواية الدينية والرواية التاريخية واهتم البعض ومنهم الباحث المصرى المقيم فى لندن د. «أحمد عثمان» بالتشابه بين النبى «موسى» فى الرواية الدينية و«إخناتون» الفرعون فى الرواية التاريخية، وقس على ذلك عشرات الأمثلة لأحداث تاريخية تتطابق أو تتشابه مع روايات دينية وقد اعتمد بعض «الملاحدة» على ذلك التشابه فى وصف الديانات السماوية الثلاث بأنها من «أساطير الأولين» فى الإقليم الذى ظهرت فيه «اليهودية» و«المسيحية» و«الإسلام» وهو إقليم «الشرق الأوسط» وواقع الأمر أن هؤلاء الملحدين إنما يقعون فى مغالطة كبرى تتصل بمفهوم «الإيمان» ذاته لأنهم لا ينكرون العقيدة فقط ولكنهم يسخرون من الوجدان الإنسانى الذى هو مزيج من العقل والقلب وعن طريقه يحدث التوازن الروحى لدى المؤمنين بل إننا ما رأينا عالمًا كبيرًا أو طبيبًا شهيرًا أو مفكرًا مرموقًا إلا و«الإيمان» صفة تلازمه، أما المرموقون فى تاريخ البشرية ممن ينكرون «الإيمان» ولا يعبدون الله فهم قلة محدودة بل ورجع معظمهم إلى حظيرة الأديان فى أخريات أيامه، ولا يقتصر هذا الشأن على الديانات السماوية وحدها بل يتجاوز ذلك إلى الديانات الأرضية أيضًا فقد عشت فى «الهند» ورأيت «الهندوس» و«البوذيين» و«السيخ» و«المجوس» وغيرهم من أصحاب المعتقدات الآسيوية يستغرقون فى طقوس يؤمنون بها وشعائر يلتزمون بتأديتها لأن مفهوم «الإيمان» مسألة نسبية تخضع لطبيعة الشعوب وتاريخ الأقوام، ولكن الذى يعنينى فى هذه السطور هو أن أحدث تقاربًا بين الروايتين الدينية والتاريخية على نحو ما فــ«الكعبة» هى «بيت إبراهيم» يطوف حولها المسلمون وهى بذلك تمثل التطابق بين الروايتين الدينية والتاريخية، كما أن رحلة «العائلة المقدسة» فى «مصر» تركت آثارًا ملموسة فى مغارات وأديرة للفترة التى قضوها فى «الكنانة» حتى جاء ذكرها فى العهد الجديد «مبارك شعبى مصر»،
وأنا أتمنى على المؤرخين بل والمفكرين أن يمعنوا النظر فى هذه القضية التى أطرحها وأظن أن أستاذنا الراحل المفكر العملاق «عباس محمود العقاد» قد عنى بشىء من ذلك فى كتب «العبقريات»، إننى أريد أن أجرى مصالحة بين الرواية التاريخية والرواية الدينية على أسس موضوعية وليست تلفيقية، وأظن أن رجلًا مثل العلامة الدكتور «وسيم السيسى» يمكن أن يدلى بدلوه فى ذلك وأنا أداعبه أحيانًا مطالبًا إياه بأن يهجر الطب والتخصص فى فرع المسالك ليتخصص فى التاريخ علم المهالك! ولا شك أن الصراع العربى الإسرائيلى بجانبه الدينى يقترب من تلك القضية المعقدة ففى «القدس» وحدها «حائط المبكى» لليهود، و«كنيسة القيامة» للمسيحيين، و«المسجد الأقصى» للمسلمين، لذلك اكتسبت المشكلة الفلسطينية فى صراعها لأكثر من قرن من الزمان تفسيرات تتداخل فيها الروايتان الدينية والتاريخية وها هى «إسرائيل» ـــ تلك الدولة العنصرية الباغية ـــ تمارس أعمال الحفر تحت «المسجد الأقصى» بحثًا عن «هيكل سليمان» لإيجاد سند تاريخى يبرر الدعاوى الدينية خدمة لأهداف سياسية وأطماع أرضية، إن الذى لا مراء فيه هو أن منطقة «الشرق الأوسط» خصوصًا ذلك المربع الذى يحتوى «الشام» شمالًا والجزيرة العربية جنوبًا و«العراق» شرقًا و«مصر» غربًا هو مربع الديانات السماوية والأنبياء الذين جاءوا لأقوامهم يدعون إلى الفضيلة ويبشرون بحياة أفضل، لا شك أن هذا المربع الغنى بتاريخه الطويل ورواياته المختلفة وهو أيضًا المربع الذى انطلقت منه دعوات السماء فتكالبت عليه أطماع أهل الأرض، وتنافست الديانات الإبراهيمية الثلاث فى حيازة أكبر قدر ممكن من الآثار الباقية لتأكيد الرواية الدينية التى يؤمن بها كل طرف، وإذا كنا نشعر بقواسم مشتركة بين «اليهودية» و«المسيحية» و«الإسلام» وذلك نتيجة التقارب الجغرافى والتشابه الثقافى والتوحد الروحى والتأثر بعصر نزول كل منها، فـ«المسيحية» التى جاءت فى ظل البطش الرومانى تختلف عن «الإسلام» الذى ظهر فى عصر الفساد الجاهلى، ولكن جوهر الديانات فى النهاية يلتقى فى قناة واحدة تصب فى روح الفضيلة والمحبة والتسامح، ولقد تابعت دائمًا بعض الأبحاث الكشفية التى تتحدث عن «سفينة نوح» وموقع الجبل الذى اعتصمت به وأتساءل دائمًا هل هذا كلام علمى دقيق يعتمد على آراء ثقاة المؤرخين والجغرافيين؟ ولكننى أكتشف فى النهاية أن «الإيمان» الصادق يعصم أصحابه من نزوات الرفض ونوبات الإنكار وحالات الابتعاد عن الله ورسالاته السمحاء ولكن ذلك لا يمنعنى من الاسترسال فى المقارنة بين الروايتين التاريخية والدينية تأكيدًا لمزيد من اليقين وترسيخًا للإيمان الذى ينجو بنا من الغرق فى بحار التشتت والضياع، إننا عندما نكتب التاريخ فإنه يجب أن نتحلى بأعلى درجات التجرد والموضوعية حتى نقدم للأجيال المقبلة حقائق لا لبس فيها ولا أوهام حولها ولا أكاذيب تجرفها بعيدًا عن الحقيقة.. إننى أدعو المفكرين والمؤرخين وأصحاب العقائد إلى حوار ملتزم حول قضية العلاقة بين الرواية الدينية والرواية التاريخية دون تعصب وذلك تحت مظلة «الإيمان» المشترك بالله الواحد الأحد ورسله من حملة الدعوة ورواد الاستنارة وحماة الفضيلة.

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما يكتب التاريخ عندما يكتب التاريخ



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon