توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ومع ذلك فالأرض تدور

  مصر اليوم -

ومع ذلك فالأرض تدور

عريب الرنتاوي

خطا الفاتيكان خطوة كبيرة، عندما برّأ ساحة العالم تشارلز داروين من الكفر والإلحاد، واعترف بنظريته الخاصة بالنشوء والارتقاء كأساس محتمل لتفسير تطور الحياة العضوية ... قبل الكنيسة الكاثوليكية، كانت الكنيسة الإنجليكانية قد اعتذرت للعالم الكبير عمّا بدر عن كهنتها وقساوستها من اتهامات للنظرية وصاحبها بالإلحاد والكفر... الفاتيكان سارع أيضاً إلى الاعتراف بنظرية “الانفجار الكبير” في تفسير نشأة الكون التي أثارت بدورها وتثير، جدلاً واسعاً بالنظر لما تثيره من تساؤلات حول “الرواية الدينية” للخلق والخليقة.

الفاتيكان آثر الابتعاد عن السجال في تفاصيل النظريتين ... فهذا شأن متحرك ومتغير، مكتفياً برفع “التابو” على مناقشة النظريات العلمية والأخذ بها والعمل على تطويرها، بوصفها أساسا علمياً صالحاً لتفسير ظاهرتي الكون والحياة ... والأهم، أنه انصرف عن نهج البابوات والبطاركة الأقدمين، الذين حاولوا فرض “النص الديني” على العقل، حتى أنهم لم يتورعوا عن اتهام كوبرنيكوس وجاليليو بالهرطقة، وإخضاعهما للسجن والإقامة الجبرية، لمجرد أنهما تمردا على نظرية بطليموس – أرسطو، حول مركزية الأرض  وجاءا بنظرية مركزية الشمس بدلاً عنها.

نظرية داروين بدورها، وجدت صدّاً قوياً من الكنيسة ... صحيح أن الرجل لم يُكفّر أو يُتهم بالإلحاد كسابقيه من العلماء والفلاسفة، لكن الصحيح كذلك، أن نظريته قوبلت بأبشع حملات التشويه، حتى إن كتابه “أصل الأنواع” تعرض لكل أشكال الحظر والمصادرة والملاحقة، في العديد من الدول الغربية، قبل أزيد من مائة وخمسين عاماً، وظل محظوراً ومصادراً في عديد من دولنا العربية – بالطبع – حتى يومنا هذا.

الكنيسة “ملّت” حكاية المصالحة بين الدين والعلم، وأدركت أن محاولاتها حشر العلم بفضاءاته اللامتناهية في أضيق زوايا وتفسيرات “النصوص الدينية”، ستبوء بالفشل ... فتركت للعلم فضاءاته، ورسمت للدين فضاءه ... هي لم تتخل عن فكرة “الخلق والخالق”، كلي القدرة، بيد أنها تركت البحث في أشكال الحياة وتطورها وصراع البقاء والانتخاب الطبيعي للعلماء، تركت تبدلات شكل المادة وتحولاتها للعلوم الطبيعية، مكتفية إن جاز التعبير، بالتأكيد على وجود “العلّة الأولى”، مصدر الخلق، السابق في وجوده على مختلف أشكال المادة والحياة.

قبل خمسمائة عام تقريباً، كانت محاكم التفتيش، تقتل وتحرق وتُزندق وتكفّر كل من يأتي بنظرية عملية جديدة... لكن دور الكنيسة تغير وتبدل، بعد انفصال الحقل السياسي عن الحقل الديني مع تطور الثورات البرجوازية... وسمح ذلك بتطور العلوم والفلسفات من دون قيود وكوابح ... إلى أن دخلت الكنيسة في طور جديد، انفصل بمقتضاه، فضاء الدين وحقله، عن فضاء العلم وحقوله ... فبات السجال حول نظريات الكون والطبيعة والحياة، متروكاً للعلماء والباحثين والفلاسفة، ليبقي للكنيسة دورها كحارس للقيم والأخلاق والروحانيات.

مثل هذا السجالات، لا نجدها أبداً في مؤسساتنا ومعاهدنا الدينية، ولا نقرأ أو نسمع أي جدل وحوار من هذا النوع ... أذكر حين كنت طالباً في ثانوية حسن البرقاوي، وكان مديرها ناشطاً في حزب التحرير، أنني احضرت معي للمدرسة كتاب داروين: “أصل الأنواع”، واشتققت منه موضوعات لـ “مجلة حائط” كنّا نعدها آنذاك، يومها ثارت ثائرة المدير، وانقض على صفحات المجلة المعلقة على جدران المدرسة، تمزيقاً وتفتيتاً”، متمتاً بكل المعوّذات، مهدداً ومتوعداً بالويل والثبور وعظائم الأمور.

قبل أيام، كان أحد رجال الدين الأجلاء، يفند “علمياً”، على قناة “يوتيوب” حكاية دوران الأرض حول محورها، ودورانها حول الشمس، والمؤكد أن الرجل لم يقتنع بعد، بكرويتها، ولديه من “الأسباب” ما يكفي لتكفير العلماء / الجهلة، الذين حادوا بنظرياتهم، عما يعتقد هو ونظراؤه، أنه كلام الله.

وقبلها بقليل، كنت استمعت لعالم نحرير آخر، يدلي بدلوه في حكاية هبوط الإنسان على القمر، ساخراً مما يزعمون، وبصورة تعيد إلى الأذهان سجالات الكنيسة مع جاليليو وكوبرنيكوس قبل خمسمائة عام، ومن دون أن يتصدى له أحد من العلماء الذين لم تُضرَب عقولهم بداء “ضيق الأفق”.

يبدو أن بعضنا، ما أن يستحوذ على لقب عالم، حتى وإن جاء بمعدل 55 بالتوجيهي، و”نجح على الحفة” في كلية الشريعة، حتى يعطي نفسه الحق، في مقارعة كبار علماء الفيزياء والبيولوجيا والفضاء، بمن فيهم سدنة “ناسا” و”سبوتنيك”، دع عنك آينشتاين وداروين وكوبرنيكوس ... يمنح صكوك الغفران لبعضهم ويحجبها عن بعضهم الآخر ... يقرر – من جانب واحد – ما هو مسموح ببحثه والحديث فيه، وما هو محظور على البشر مجرد التفكير فيه، ودائماً بالاستناد إلى أضيق القراءات وأكثرها سذاجة وسطحية للنص الديني ... لكن مع ذلك فالأرض تدور.
نقلاً عن "الدستور" الأردنية

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ومع ذلك فالأرض تدور ومع ذلك فالأرض تدور



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon