توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مناضلو المؤتمرات

  مصر اليوم -

مناضلو المؤتمرات

بقلم : عريب الرنتاوي

أعرف حفنة من الدول، اشتهرت في السنوات العشر الأخيرة بما يمكن تسميته «سياحة المؤتمرات»، لبنان وتركيا وتونس كردستان العراق، من أبرزها ... في هذه الدول، لست بحاجة إلى كبير عناء لتنظيم مؤتمر أو عقد ورشة عمل، يكفي أن تتفق مع «أوتيل» على استئجار القاعة وحجز عدد من الغرف الكافية للمشاركين، وبعد ذلك تتولى الجهات الأمنية بطرقها الخاصة، ومن دون أن تظهر على الصورة، معرفة القادمين والمغادرين واسم المؤتمر ومواضيعه ومداولاته، وكل ما يلزمها معرفته.

ملايين الدولارات انهمرت على هذه الدول على شكل أسعار تذاكر وأجور فنادق وخدمات اتصالات ومواصلات، مطاعم وسياحة ومشتريات ... كثير من المؤسسات في دول أخرى  باتت تلجأ إلى هذه الدول لتنظيم أنشطتها تفادياً للإجراءات الأمنية والبيروقراطية المعتادة ... «سياحة المؤتمر» لم تكن للحظة سبباً في اهتزاز أمن الدول المذكورة، والدول التي لا تتمتع بهذا النوع من السياحة ليست في وضع أمني أفضل بكثير.

ما علينا، فهذا ليس موضوعنا

لله في خلقه من عباده السائحين شؤون ...وبعضهم اختص بـ «سياحة المؤتمرات»، تجده اليوم في بيروت وغدا في طهران وبعد غد في إسطنبول ... أسماؤهم تكتب على جوازات سفرهم مثلما تكتب أسماؤنا، بيد أنهم ومنذ عشريات عديدة من السنين، لا يقدمون من على منصات المؤتمرات المتناسلة التي يشاركون فيها، إلا بوصفهم مناضلين، وأحيانا «مناضلين كبار» تمييزاً لهم عمن لم يشاركوا بعد إلا بحفنة من المؤتمرات ... وفي أحيان أخرى، يقدمون بوصفهم «شيوخ المناضلين» في إشارة إلى أن معظمهم قضى الثلاثين عاماً الأخيرة، متنقلاً بين مؤتمر وآخر.

أعرف حفنة من هؤلاء، يتوزعون على عدد كبير من المؤتمرات، الدائمة والمتقطعة وتلك التي تقعد لمرة واحدة فقط ... والأغرب أنهم أعضاء مستقرون في عشرات لجان المتابعة لنتائج المؤتمرات التي يشاركون فيها، بعضها يسمى «لجنة متابعة» بعضها الاخر، يسمى أمانة عامة، ولإعطاء دلالة على تميز مؤتمر بعينه أو أهميته الاستثنائية الفائقة، تسمى اللجنة المنبثقة عنه «اللجنة الدائمة» او «الأمانة الدائمة»، في إيحاء إلى أعلى درجات  التعبئة والاستنفار التي عاشها المؤتمر والمؤتمرون، والذين عادة ما يكونون قد فرغوا من مناقشة أهم قضايا العصر.

للمفارقة، أعرف بعضهم من النوع «العابر للمحاور وخطوط المذاهب» ... تراه في مؤتمر طهران لدعم فلسطين والانتفاضة، ويفتقده زملاؤه في اليوم التالي للمؤتمر، لا وقت لديه لإضاعته على الإطلاق، فهو عضو في مؤتمر إسطنبول للشتات الفلسطيني، ليس لديه المتسع من الوقت ليصرفه في جلسات الثرثرة أو حتى التقاط الأنفاس ... فما أن أغلق ملف «تصعيد خيار المقاومة» في طهران، حتى انتقل سريعاً لإنقاذ الشتات ومنظمة التحرير ... هو في الأول، من المرشحين بقوة للأمانة الدائمة وفي الثاني هو أمين «فوق العادة»، وفي الثالث ربما رئيس هيئة أركان.

ليس لدى هذه النوعية من «مناضلي المؤتمرات» ولجانها الدائمة وأماناتها العامة الوقت لتحضير أوراق العمل أو حتى قراءتها ... هم يحفظون عن ظهر قلب ما الذي يتعين قوله، وهم جاهزون على الدوام لإدخال بعض التعديلات وتقديم بعض الفقرات وتأخيرها تبعاً لمقتضيات الحال ... في إسطنبول ليست هناك حاجة لاستهلاك الطاقة في حديث المقاومة، هناك أولوية أخرى تتمثل في نقد «القيادة المتنفذة» ... في طهران، الحديث أجدى عن «خيار المقاومة والممانعة»، وفي المغرب عن وحدة الأحزاب القومية واليسارية، ولا بأس إن ضمت إليها الإسلامية كذلك، ما الذي سيكلفه ذلك.

وفي كل العواصم، يتعين الحديث عن مناهضة التطبيع مع «الكيان»، لا حاجة لإتمام العبارة كأن يقول «الكيان الصهيوني»، كلمة الكيان تكفي، فالجميع سيفهم هذه اللغة «المشفرة» لفرط استخدامها في سياحة المؤتمرات ... ولا بأس من تطوير عبارات من نوع: نهج التسوية، لتصبح «النهج التسووي» ففي ذلك تحقير أكبر للنهج وأصحابه وتابعيه وتابعي تابعيه ... ويمكن أن تستبدل كلمة «النهج» بـ «العقلية» أو «الخيار»، فاللغة فضفاضة، ولا يضير أحد اللجوء إلى مترادفاتها، أو حتى الغوص عميقاً إن أمكن، في السجع والطباق والجناس وغيرها من المحسنات اللفظية.

لا وقت للنضال عند «شيوخ المناضلين وكبارهم»، إلا بين رحلة وأخرى، ومن مطار إلى آخر، جل وقتهم مصروف في «المتابعة» والسهر على تنفيذ «التوصيات الختامية»، مع أننا لا نعرف ماذا يتابعون ومن يتابعون ولم نر أياً من توصياتهم المتراكمة وقد وجدت طريقها إلى حيز التنفيذ.

تربطهم ببعض زمالات عميقة، يعرفون أدق التفاصيل عن بعضهم البعض، وعن أحوال أسرهم وأقرانهم وأمراضهم وقياسات الضغط والسكري والكوليسترول وأحياناً أوضاع «البروتسات» لدى كل واحدٍ منهم، فهم دائمو الحديث في هذه الموضوعات على هوامش المؤتمر وفي قاعات المطارات وعلى متون الطائرات، أي في كل أوقاتهم ... يعرفون تمام المعرفة كافة مفردات المطبخ الشرقي والمغاربي والإيراني والتركي والخليجي، وقلة منهم لديها صلة أوسع مع العالم الخارجي، وامتدادات إلى قارات خارج نطاق الشرق الأوسط الكبير.

كافة هذه المؤتمرات تنتهي بالعادة بالتوصية المتكررة: حث الدول والأطراف المقتدرة على توفير المستلزمات المطلوبة لإنفاذ التوصيات والنتائج الختامية، فالمقاومة بحاجة إلى مقدرات مالية، وجمع الشتات ومحاربة التطبيع والتقريب بين المذاهب والإيديولوجيات، جميعها مهام جسام، تتطلب مستلزمات ومقدرات، فمن أين سيصرف هؤلاء الذي لا يعملون شيئاً في حياتهم سوى حضور المؤتمرات والتحضير لها، وأين سيمارسون هواياتهم في التخطيط للمزيد منها إن لم يكن هناك مقر للأمانة العامة أو لجنة المتابعة، وهذه بدورها بحاجة لموظفين وفراشين مختصين بصنع الزهورات والكركديه، فمعداتهم لم تعد تحتمل القهوة والشاي، وثمة سلسلة من «المقدرات» و»المخصصات» التي يتعين توفيرها، كل ذلك ليس من أجلهم لا سمح الله، بل لتوفير كافة مستلزمات النضال ضد «الكيان» ومن يقف وراءه وإلى جانبه ومن فوقه ومن بعده.

المصدر : صحيفة الدستور

GMT 01:10 2019 الأحد ,09 حزيران / يونيو

علي غير مسمي!

GMT 01:35 2019 السبت ,08 حزيران / يونيو

أطماع تركيا وأوهام أردوغان

GMT 00:45 2019 الخميس ,06 حزيران / يونيو

وماذا عن تركيا؟

GMT 06:01 2019 الإثنين ,27 أيار / مايو

السعودية: أربع قمم

GMT 05:48 2019 الأربعاء ,15 أيار / مايو

عيون وآذان (أخبار أجدها مهمة)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مناضلو المؤتمرات مناضلو المؤتمرات



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon