توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عمار علي حسنالإسلام والخصوصية الحضارية (2 - 3)

  مصر اليوم -

عمار علي حسنالإسلام والخصوصية الحضارية 2  3

عمار علي حسن


بات من الواضح لكل ذى عين بصيرة وعقل فهيم أن المنطلقات والمعالم الفكرية لتيار التوجه الإسلامى الجديد، تقوم فى جزء كبير منها على حرص شديد لا يخطئه الباحث على توكيد حد أقصى من التميز والتفرد للإسلام ونظمه، ينفى عنه مشابهة أى عقيدة أخرى، وأى حضارة أخرى، وأى نظام غيره، عرفه الناس قديماً أو يعرفونه حديثاً.

لكن يجب أن يدرك هؤلاء، إن كانوا يرومون ما هو فى مصلحة الإسلام كدين عظيم، ما أدركه الدكتور كمال أبوالمجد فى كتابه القيم «حوار لا مواجهة»؛ حيث ينبه الباحثين عن الخصوصية الحضارية بقوله: «إذا كان الحرص على تقرير التميز أمراً مشروعاً تماماً لتحقيق ذاتية الأنا الحضارية، ولرسم حدودها داخل العقل والنفس جميعاً، ولوضع الخط الفاصل بين الذات وبين الآخرين، ومنع ذوبان تلك الذات فى غيرها، فإن الإسراف الشديد فى تقرير هذا التميز، وتلك الخصوصية، والإحساس بالضيق والرغبة الملحة فى الإنكار والرفض تجاه أى دعوى لتقرير المشابهة أو الاشتراك فى الرؤية النظرية، والموقف العملى من الآخرين، يحتاج إلى مراجعة واستدراك من وجهة نظر تاريخية واجتماعية، ووجهة نظر إسلامية خالصة».

إن البعض يضيق من «الخصوصية» إلى درجة تجعل منها قفصاً حديدياً يحيط بالفرد من كل جانب، ويكاد أن يخنقه، أو نوعاً من «الوسواس القهرى» الذى يطارد الإنسان فى صحوه ومنامه، ويجعله يشعر بالذنب الدائم، والتقصير المستمر. ومثل هؤلاء يختلط لديهم العقدى الثابت بالاجتماعى المتغير، ويحملون الدين أحياناً فوق طاقته، أو أكثر مما يطلبه الدين نفسه، فى قيمه العامة التى تحض على الفضيلة، وتنهى عن الرذيلة.

والمطلوب هو أن تكون الخصوصية سلاحاً حقيقياً فى وجه تجبر العولمة، وشعورها الزائف بالقدرة على صهر البشرية جمعاء فى بوتقة واحدة، أو تحويل الناس إلى أنماط متشابهة، بل متماثلة، تفكر بطريقة واحدة، وتعتنق ثقافة واحدة، وتعيش بأسلوب واحد. وهذا السلاح لا يقوم بجلد الذات، وإغلاق الباب أمام كل ما يرد من «الآخر»، بل يقوم على هضم كل ما لدى الآخرين من إمكانات، وتطويعها لخدمة المصلحة العامة للمسلمين، وهذا ما كان يجرى فى الأيام الزاهرة للحضارة الإسلامية، حيث نشطت حركة الترجمة، واستفاد فلاسفة المسلمين مما تركته القريحة اليونانية، واستفاد العرب من طريقة بناء الفرس والروم للهياكل والمؤسسات السياسية، ونهل المسلمون جميعاً مما كان لدى البشر وقتها من تقدم فى الطب والهندسة، فحازوا بذلك مقدرة على قيادة من على الأرض جميعاً، قروناً طويلة.

إن هناك ثنائية متعايشة بين الخاص والعام فى الأديان من دون تفرقة أو تمييز. فالمبشرون بالدعوات الدينية، يقولون فى مرحلة التمكن إن لديهم «منظومة قيمية» تنطبق على كل شعوب الأرض. أما فى أوقات الضعف، وحين يكون أصحاب هذه الدعوات مستهدفين من قبَل الأغيار الأقوياء، يطلبون من هؤلاء ألا يدسوا أنوفهم فى شئونهم، وألا يفرضوا عليهم ثقافة بعينها، ويحترمون خصوصيتهم، ويقرون بتعددية تسمح للجميع بأن يتمسكوا بمعتقداتهم، ويمارسوا طقوسهم الدينية والثقافية. وهذا لا يعنى أن عالمية الدعوة أمر غير واقعى أو مرتبطة بمرحلة التمكن فقط، بل يعنى فى المقام الأول أن هذه العالمية، الرامية إلى هداية البشر أجمعين، يجب أن تكون فى بناء العقيدة وتعلم العبادات أو أركان الدين، ويجب ألا تتغول لتفرض نمطاً ثقافياً محدداً، فهذا فوق طاقتها، ولا طائل كبيراً من ورائه، إنما الجدوى تتحقق حين تركز الدعوة على منح الثقافات السائدة إطاراً أخلاقياً عاماً، لا يجور على التعدد والتنوع، ولا يقطع جذور مجموعة بشرية فى أى مكان.

والخصوصية الثقافية متعددة المنابع والروافد، فيها من الدين الكثير، وفيها أيضاً من الفلكلور والتقاليد والأعراف السائدة، كما أن ما يمكن اعتباره، أو ما هو بالفعل «ثقافى خاص» أمر واسع، فيه من الأشياء المادية، بقدر ما فيه من المعانى والأفكار والتصورات والرموز. وقد بذل البحث العلمى، لا سيما فى مجال الأنثروبولوجيا والاجتماع، جهداً فائقاً فى تناول كل هذا بفروعه وتفاصيله، موضحاً نصيب الدين فيه، أو ما هو راجع إلى جذر دينى.

وأسهم الفقهاء وأصحاب الفتوى وأهل الذكر جنباً إلى جنب مع الباحثين والمفكرين والنقاد بمختلف ألوانهم ومشاربهم فى الجدل الذى دار ويدور حول ما هو ثقافى إسلامى، بدءاً بالأزياء والملابس وانتهاءً بالأدب والفن. والخوض فى هذا المضمار قد لا يأتى بجديد، ولا يضيف كثيراً إلى رؤية الخطاب الإسلامى لقضية الخصوصية الثقافية.

(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عمار علي حسنالإسلام والخصوصية الحضارية 2  3 عمار علي حسنالإسلام والخصوصية الحضارية 2  3



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon