توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صراع الهويات فى مصر (3-3)

  مصر اليوم -

صراع الهويات فى مصر 33

عمار علي حسن

وإذا عدنا إلى حالتنا الخاصة التى نقصدها فى هذا المقام، يمكن أن نقول إنه مع تفشى البطالة فى مصر وإصرار الكبار على ممارسة الوصاية على الشباب فى نظام «أبوى» جامد، ينشأ وسط صراع أجيال حاد، وانسداد الأفق السياسى بفعل تسلطية الدولة وبطشها، واستشراء الفساد، وازدياد حجم الغبن الاجتماعى، وشيوع ثقافات تقليدية ودينية نازعة إلى الجمود والتشدد، واستفحال الشعور بالقهر والظلم والهوان حيال العالم الخارجى، يجد الشباب المصرى نفسه مدفوعاً إلى الانزلاق إلى ارتكاب العنف بشتى صوره الرمزية واللفظية والمادية، وهى حالة لا شفاء منها دون انقضاء الأسباب التى تؤدى إليها، ثم جاء الصراع حول الهوية ليزيد الطين بلة.
لكن الأسباب كلها كانت وراء العنف الاجتماعى، أما العنف السياسى فى مصر، فيُعزى إلى صراع الهويات بالأساس، الذى كان مكبوتاً أيام حكم مبارك بفعل القوة الأمنية الباطشة، ثم انفجر بعد رحيله بطريقة غير مسبوقة، فوجدنا مخاوف الأقباط من تقدم الإخوان والسلفيين فى الحياة السياسية، وهتف بعض المسيحيين فى المظاهرات التى نظموها احتجاجاً على هدم وحرق كنائس على يد سلفيين: «بالطول والعرض.. إحنا أصحاب الأرض». أما السلفيون وأتباع الجماعة الإسلامية والجهاديون فقد قلبوا هتاف الثورة «الشعب يريد إسقاط النظام» عقب رحيل مبارك مباشرة إلى: «الشعب يريد تطبيق شرع الله».
وأتذكر فى هذا المقام مجموعة من الملتحين كانوا يجوبون ميدان التحرير فاردين فوق رؤوسهم علماً ضخماً لمصر، وهم يهتفون: «لا شرقية ولا غربية.. مطلبنا هو الحرية»، ولم يكن هذا إلا نوعاً من التحايل والخوف لأن مبارك وقتها كان لا يزال ينازع من أجل الاحتفاظ بالسلطة، وبالتالى فجزء كبير من قدرته على تخويف هؤلاء كانت باقية، ومن هنا تخلى هؤلاء «تكتيكياً» عن «لا شرقية ولا غربية.. إسلامية إسلامية» إلى رفع شعار «الحرية» المتساوق مع مبادئ ومطالب الثورة، ثم انقضّوا عليه وعادوا إلى سيرتهم الأولى، بعد أن زالت أسباب الخوف.
وبلغ الأمر مداه مع الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذى جرى فى 19 مارس 2011، وكان بداية الافتراق فى الساحة السياسية والقوى الثورية أو تلك التى التحقت بالثورة بعدما تأكدت من نجاحها. فانقسمت مصر إلى «مدنيين» يصفهم الإخوان والسلفيون بأنهم «علمانيون»، ويتركون لمشايخهم مهمة تشويه هذا المصطلح بما ليس فيه، من دون ورع ولا علم ولا حياء، وإلى «إسلاميين» حسبما يصفون هم أنفسهم، وإن كانت تدابيرهم وتصرفاتهم، بل أقوالهم، تتناقض أو تتعارض مع صحيح الإسلام فى مواضع لا حصر لها، ولا داعى لذكرها هنا.
ووسط هذا الضجيج عادت أصوات تتحدث عن الخوف من اختطاف الهوية المصرية، التى ألفوها وتعايشوا معها، وكانوا يعنون بها طبائع المصريين وثقافتهم العميقة وطريقتهم الوسطية أو المعتدلة فى فهم الدين وتطبيقه، والتى جعلت الإمام الشافعى نفسه يفتى ذات يوم فى مصر بغير ما أفتى به فى العراق فى المسألة نفسها. وزادت هذه المخاوف مع اتجاه الإخوان إلى التحالف مع التكفيريين والسلفيين الجهاديين، بعد عقود بدوا فيها وكأنهم قد تماهوا مع مقتضيات الهوية المصرية أو تكيفوا مع طبائع وقيم وموروث المصريين، وهى مسألة كانت تعطيهم ميزة على تيارات العنف والجمود التى اتخذت من الإسلام أيديولوجية لها أو زعمت أنها تحمل لواءه فى الدعوة.
وفور سقوط حكم الإخوان بعد ثورة 30 يونيو اشتد الصراع على السلطة ضراوة، وهو يلبس لبوس الهوية، فالذين وقفوا على منصة رابعة كانوا طيلة الوقت يصدّرون خطاب الهوية رغم أنهم يعلمون بينهم وبين أنفسهم أن مقصدهم هو الاحتفاظ بالسلطة والاستعداد للقتال من أجل هذا تحت راية «شرعية» فقدوها قبل الثورة بكثير لأسباب عديدة. فخطاب الهوية هنا كان الهدف منه تجميع القوى «الدينية» للوقوف إلى جانب الإخوان فى معركتهم السياسية البحتة. وفى مقابل هذا استدعى معارضو الإخوان خطاب هوية آخر هو الدفاع عن «خصوصية» الأمة المصرية وتاريخها، وهى استدعاءات لا تزال قائمة حتى هذه اللحظة، ولا أعتقد أنها ستتوقف فى المدى المنظور، ليستمر الكل فى سذاجة مفرطة فى التناحر من أجل تحديد هوية مصر، ولن يفعلوا فى نهاية المطاف سوى مثلما فعل ذلك الذى أخذ وقتاً طويلاً للتفكير، ثم عرّف الماء بالماء.
"نقلا عن جريدة الوطن "

 

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صراع الهويات فى مصر 33 صراع الهويات فى مصر 33



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon