توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أنا مصرى

  مصر اليوم -

أنا مصرى

عمار علي حسن

قطعة من جهنم تطير فى سقف السماء على غير هدى. قمر منقوش يدنو ويتهادى ويقاوم الريح. يغيب فى عين الشمس ويبين حين يروغ بعيداً عنها.

أجرى فى الأرض المحروثة ويتقاطر هناك فى خضار الزرع الممتد رجال كثيرون، جماعات وفرادى يرفعون العصى الممشوقة ويهرولون فى اتجاه القمر المزركش.

جاء صوت مخنوق من بعيد يتقطع فى لهاث صاحبه:

- طيّارة إسرائيلية..

وخز الاسم قلوب الناس، فانفتحت نوافذ الأسى. هاج الثأر المحموم، فاندفعت الأرجل تغالب طين الأرض وأحراشها.

ارتسمت فى مساحة الفضاء بين الطيارة المحترقة والعيون التى تلاحقها وجوه الذين ضاعوا فى الصحارى، وأولئك الذين تسلم أهلهم أشلاءهم من عربات الجيش الضخمة بعد حرب 67.

راحت الطائرة تتباعد، مخلفة وراءها سحابة دخان أسود، وبعض وهج يحل بذاكرة الذين تابعوها حتى أضحت نقطة حمراء ترتعش فى المدى.

أخذت المظلة المنقوشة التى تقل قائد الطائرة، وتبدو كقمر معلق فى بطن الفضاء، تراقص الهواء. تقترب حتى تصير فوق رأسى..

ها أنا طفل صغير. أقفز إلى فرع شجرة الرمان، وأسلخ عصا رفيعة لبلابة. أجرى وعينى تحلق مع الرجال فى الفضاء. فى جيبى صورة أبى. أعطتها أمى لى ذات ليلة حين طالنى الوعى.

قالت وهى تغالب الدموع التى حبستها سنوات الانتظار:

- صورة أبيك.

- أبى؟

- كنت طفلاً صغيراً حين حملك بين ذراعيه، وضمك إلى صدره، وقبّلك فى جبينك ثم مضى. ومن يومها لا نعرف عنه شيئاً.

- أين ذهب؟

- ذهب يحارب إسرائيل..

- مات يا أمى؟

- ربما مات، وربما يعيش..

وعيال الناس عيَّرونى كثيراً وقالوا:

- أبوك ضاع.

وقلت ها هى طيارة إسرائيلية، وربما أجد أبى قد رجع مع هذا القمر المنقوش.

تطوّحه الريح يميناً فنجرى يميناً، تأخذه شمالاً فنتبعه كظله، تغالبه وتدفعه فوق النيل، تقاوم اليدان المعلقتان فى حبال القمر فيعود مرة أخرى، يحلق فوق الزروع.

رويداً.. رويداً، راح يتدلى بانحراف تجاه الأرض المحروثة، حتى كاد أن يلامسها. امتدت الأيدى فتوارى كل جسد الطيار بين مخالب الأذرع المتحفزة، وغابة العصى الممشوقة. جاء صوته ملهوفاً مستغيثاً:

- أنا مصرى.. مصرى.. أنا مصرى..

تباعد الزحام المتوثب عنه خطوتين وتركه يلملم أشلاءه المبعثرة فوق التراب. وجدت نفسى أندفع وأرتمى فى أحضانه، وأصرخ:

- أبى رجع.. أبى رجع..

خلعنى الناس من أحضانه، وطردونى خارج الزحام. أخذ بعضهم يقلب ويفتش فى الأوراق التى أخرجها الطيار من جيبه، وقال بعضهم:

- مصرى.

رحت أجرى نحو دارنا، مبهور الأنفاس، خائر الصوت. صرخت على أمى. كانت ترمى حبات القمح للدجاج فوق السطح. تناهى إلى سمعها ثغائى الرفيع الملهوف:

- أبى رجع.. رجع..

فى التو صارت على عتبة الدار، وسألتنى:

- أين؟

أخذتها من يدها وجريت وأنا أقول:

- هناك فى الأرض المحروثة..

خرجنا إلى الخلاء. فى الطريق كان الناس يتحدثون عن طيارة لرش المبيدات اشتعلت فوق حقول القطن، وعن طيار نجا من النيران، وهرب بمظلته.

حين اقتربنا من الزحام كان الطيار يمشى مع الناس واجماً. رفعت سبابتى إليه وقلت لأمى:

- هذا أبى..

رمقته بسرعة. راح وجهها يصفر ويحتقن. مالت نحوى، وأخذتنى بين يديها، وعصرتنى فى حضنها، وراح نشيجها المحموم يتصاعد.. يتصاعد، حتى صار صراخاً يرتد صداه هناك عند صهوة الجبل الذى يعتلى مجرى النهر.

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أنا مصرى أنا مصرى



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon