توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
الثلاثاء 25 شباط / فبراير 2025
  مصر اليوم -
أخبار عاجلة

التدين المحافظ والاستبداد السياسى

  مصر اليوم -

التدين المحافظ والاستبداد السياسى

عمار علي حسن

يمكن القول، من دون مواربة ولا التواء، إن التدين المحافظ والاستبداد السياسى صنوان، فهما يتجاذبان فى أغلب الأحيان ويتعانقان، ويتبادلان المنافع، ويتقاسمان الوظائف، ويخلقان بينهما نمطاً من «التغذية المرتدة»، ويحرص كل منهما على حياة الآخر، ويتساندان أو يتحالفان فى وجه أى قوة دافعة تروم التغيير وتبتغى التجدد، لأنهما يعتبرانها خطراً داهماً على وجودهما ومصالحهما، ولا مناص أمامهما من كبتها ومحاصرتها، لتستقر فى الهامش البارد.

وقد عرف تاريخ البشرية المديد صولات وجولات من التكاتف بين رجال دين محافظين ورجال حكم مستبدين، ولا نكاد نجد استثناءً فى هذا شرقاً ولا غرباً. وقد أدرك الأوروبيون هذه المسألة مبكراً فزاوجوا بين المطالبة بالإصلاح الدينى والإصلاح السياسى، بل جعلوا الأول مقدمة للثانى، بعد أن استقر فى يقينهم أن السبب الأساسى فى تخلفهم هو العناق الدائم بين السلطتين الزمنية والسلطة الكنسية، والذى أنتج ظاهرة «الحق الإلهى للملوك».

ورغم اختلاف تجربة الكنيسة الغربية عن تجربة المؤسسات الدينية فى العالم الإسلامى، ومع أن الإسلام لا يطلب فى نصه وجود طبقة من رجال الدين، ويقيم علاقة مباشرة بين الإنسان وربه، فإن الممارسة انحرفت عن هذا التصور المستقيم أو النهج الصراطى، حيث حوّل الحكام الدين إلى أيديولوجيا وحفزوا فقهاء ومفسرين ومحدثين على إنتاج ما يبرر مسلك السلطة، أياً كان. ولهذا لا يمكن تناول التدين المحافظ فى بلادنا بعيداً عن السياق السياسى الذى ينتجه، وينتفع منه، كما لا يمكن تفسير طبيعة النظام السياسى المصرى من دون اختبار الآثار التى يتركها التدين المحافظ على الأفكار والممارسات السياسية والاجتماعية.

وقد ارتبط مصطلح «المحافظية» بالتطور السياسى الاجتماعى فى الغرب، وخرج من رحم التجارب الحياتية والممارسة الإنسانية ليسكن بطون القواميس والمعاجم والموسوعات. وعنى بـ«المحافظ» فى الثقافة الغربية عموماً ذلك الشخص أو الاتجاه أو المؤسسة غير الليبرالية وغير الثورية.

وهناك من ينظر إلى «المحافظة» باعتبارها موقفاً ينطوى على رغبة قوية فى الاستقرار، وميل جارف إلى مقاومة التغيير، لتجنب ما يحمله من آثار مفاجئة. ولو كان التغيير فى لحظة ما أمراً لا مفر منه، يستجيب المحافظون جزئياً لمقتضياته عبر تلطيفه والتكيف مع التغيرات الطارئة بأقل درجة من الاضطراب. والمحافظون يجفلون من الثورات ويثمنون السلطة والنظام والقانون، ويطيعون القيادة لاسيما إن كانت جيدة من وجهة نظرهم.

وينقسم المحافظون حسب موقفهم من التغيير إلى ثلاث فئات، هى «الرجعيون» و«المعتدلون» و«الراديكاليون». ويأتى على رأس الرجعيين فيلسوف الثورة المضادة فى فرنسا دى ميستر (1753: 1851) الذى كان يتحمس لإعادة الملوك إلى عروشهم التى أزيحوا عنها، ويؤمن بأن الجلادين هم أفضل من يدافع عن الكنيسة والدولة. ولهذا وقف الرجعيون فى وجه الأحزاب اليسارية والاتجاهات العلمانية ورموها بالهرطقة، واعتبروها اتجاهات هدامة تقوض بنيان المجتمع. لكن أغلب المحافظين السياسيين فى أوروبا كانوا من المعتدلين، وقد تأثروا إلى حد بعيد بفلسفة إدموند بيرك (1729: 1809) وانتشروا فى جميع البلدان الناطقة بالإنجليزية والمعتنقة للبروتستانتية، أما فى البلاد الكاثوليكية فقد تأخر التفاعل الإيجابى للمحافظين مع الديمقراطية حتى اكتووا بنار الفاشية والشيوعية، وأدرك الفاتيكان أن التحالف مع الليبراليين بات أمراً لازماً، بعد أن كان مستسلماً لأفكار من قبيل تلك التى أطلقها القس جيرى فولول، تلميذ بيرك، الذى أسس حركة عام 1979 أطلق عليها «الأغلبية الأخلاقية» تحالفت مع الكاثوليك واليهود والمورمون، وكان ينادى بـإطلاق البنادق اللاهوتية على الليبرالية والنزعة الإنسانية والعلمانية، ويطالب بالعودة إلى القيم التقليدية. وقد سميت هذه الحركة «الأصولية المسيحية»، بيد أن هذا المفهوم انسحب على أى حركة دينية ترفض تأويل النص الدينى، وتعادى النظريات العلمية، لاسيما الداروينية التى تخالف قصة الخلق كما وردت بالتوراة، وتدعو إلى تأسيس المجتمع على العقيدة المسيحية حسبما تراها وتحددها تلك الأصولية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التدين المحافظ والاستبداد السياسى التدين المحافظ والاستبداد السياسى



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon