توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الصمت السياسى حين يكون أبلغ من الكلام

  مصر اليوم -

الصمت السياسى حين يكون أبلغ من الكلام

بقلم - عمار علي حسن

إذا كان هناك من يعتقد فى ضرورة التعبير عن الفكر والممارسة السياسية لفظا، ويبرر الصياح والجدل العارم فى هذا، فإن الصمت فى السياسة من أجل التفكير قبل اتخاذ القرار، ووضع الخطط والبرامج، وتدبر الحاكم حال المحكومين، ضرورى أيضا. ويظن كثيرون أن الصمت فى أغلبه هروبٌ واستكانة، ومن ثَم فإن حظ المقاومة فيه ضعيف إن لم يكن منعدما. فالمعنى الذى يأتى إلى الأذهان من الوهلة الأولى حين تسمع كلمة «مقاومة» أو «نضال» ينصرف دوما إلى أمر مرتبط بالحركة أو الفعل، الذى يتم توزيعه إلى العنف بشتى درجاته، أو إلى اللاعنف الإيجابى الذى يعتمد على وسائل عدة من الضغط والاحتجاج المدنى.

لكنّ هذه نظرة أحادية الجانب، فالصمت إن كان آفة الشعوب المغلوبة فقد يكون حِكمتها فى الوقت نفسه، حتى تملى للظالم ثم تأخذه بعد أن يكون قد تردى فى الفساد والاستبداد، بل يمكن تحويل الصمت من طاقة سلبية تنطوى على الاستسلام أو الاستلاب أو الترقب أو اللامبالاة إلى فعل مقاوم، قد لا يقلّ فى بعض الحالات عن النضال المسلح أو الاحتجاج المدنى القوى. وهناك حالتان أساسيتان كان فيهما الصمت مقاومة جلية بكل المقاييس. الأولى ترتبط بصمت المحكومين عن التجاوب مع نداء السلطة المستبدة لهم، حين تسعى إلى حشد الجمهور حول خطابها وبرامجها، ولاسيما فى اللحظات الحرجة التى تجد فيها هذه السلطة نفسها مضطرة إلى استدعاء الناس بعد طول تغييب وتذكرهم بعد طول نسيان، وذلك وقت أن تكون مهددة بالانهيار أو الرحيل، أو تكون معرضة لضغوط قوية تجعلها تتآكل، وتشعر أن وضعها قد بات فى مهب الريح.

وتتوقع السلطة فى هذه الحال أن الناس ستستجيب لها طواعية، إما خوفا أو طمعا، وقد تدفع التابعين لها للنزول إلى الشارع لتحفيز الجماهير الغفيرة على الخروج من الصمت والترقب، والانخراط فى مساندة النظام الحاكم. فإذا ردّ الناس بالصمت، وأداروا ظهورهم للسلطة، وأشعروها بأنها باتت مجردة من أى شرعية، وأن الشعب يرفضها كلية، فإن سلوكهم هذا ينصرف إلى المقاومة، ولاسيما إن حدث شعور جمعى بهذا الموقف، ووصلت فحوى الرسالة إلى السلطة وأتباعها. وتزداد فاعلية هذا الموقف إن كانت السلطة مُقدِمَة على خطوة تحتاج فيها إلى موافقة الناس عليها، ولاسيما أوقات الاستفتاءات على شخص الحاكم أو لحظة تمرير قوانين وخطط وبرامج معينة، أو وقت يشعر فيه من بيدهم الأمر أن هناك حالاً من الرفض المكتوم لسياساتهم، أو حتى وجودهم على قيد الحكم. ففى مثل هذه الظروف تلهث السلطة وراء النداء على الناس، فإن أبَوا واستعصموا بالصمت، فإنها تنزعج انزعاجا شديدا، وتعاود النداء عبر آلتها الدعائية، فإن جاء الرد على حاله الأولى، فلا تجد السلطة بُداً من تقديم تنازلات متدرجة، تصب فى نهاية المطاف فى مصلحة الشعب، فإن استهان الناس بهذه التنازلات ولفظوها فقد لا يكون أمام هذه السلطة من طريق سوى الاستعداد للرحيل، أو أن تفقد أعصابها وتنزلق إلى ممارسة عنف مفرط ضد الشعب، فتدفعه إلى مقاومتها بغير الصمت، ومن ثم تدق المسمار الأخير فى نعشها، ولاسيما إن ظهر بديل فى اللحظة المناسبة لم يقابله الناس بصمت، إنما التفوا حوله وباركوه وبُحّت أصواتهم فى مساندته.

أما الثانية فقد سطرها مناضلون سياسيون عبر تاريخ الإنسانية المديد، حين التحفوا بالصمت وقت أن كان أعداؤهم يطلبون منهم التحدث. وقد حفل أدب السجون وحوت مذكرات السجناء من مختلف الانتماءات السياسية العديد من القصص التى تبين كيف تحمّل بعض المعتقلين التعذيب الجسدى الوحشى فى سبيل حماية أسرار التنظيم السياسى الذى يتبعونه، وستر ظهر رفاقهم وإخوانهم الذين يشاركونهم الكفاح. وقد اعترف السجانون والجلادون أنفسهم بقدرة هؤلاء المحبوسين والمعتقلين والسجناء على تحمل أشد صنوف التعذيب، وتضحية البعض منهم بأنفسهم فى سبيل حماية الآخرين، فى ظل حرصهم على استمرار راية النضال مرفوعة، وفى ظل كراهيتهم العميقة للمستبدين وجنودهم، وهى الكراهية التى تمد المعذبين بقدرة فائقة على تحمل الآلام بصمت.

نقلا عن المصري اليوم القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصمت السياسى حين يكون أبلغ من الكلام الصمت السياسى حين يكون أبلغ من الكلام



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon