توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الدولة الإله.. والدولة الآلة

  مصر اليوم -

الدولة الإله والدولة الآلة

بقلم : عمار علي حسن

 هناك من يقدس الدولة، ويضفى عليها من صفات الضرورة والقدرة والحكمة والتعالى ما يقربها من أن تكون إلهاً معبوداً، أو يجعلها هكذا بالفعل. وهناك من يحولها إلى مجرد آلة طيعة عمياء قاسية فى أيدى فئة أو صفوة أو طبقة أو شريحة أو مجموعة أو تجمع وتحالف اجتماعى أو زبائنية أو مؤسسة، تستعملها فى تبرير ما تفعله، ليس من قبيل «الاحتكار المشروع للعنف» فحسب إنما أيضا عبر التحكم الصارم فى السلطة والثروة وأحوال الناس ومصائرهم.

وهاتان استعارتان لا تتوقفان كثيرا ومليَّا عند التعريف التقليدى للدولة باعتبارها شعبا وأرضا وحكومة، أو عند الحمولات التاريخية التى اتخذتها منتقلة من العشيرة والقبيلة إلى الإمبراطورية فسيحة الأرجاء ثم «الدولة القومية» التى عرفها العالم فى القرن السابع عشر، ولا تزال قائمة، وهى التى صار لها علم ونشيد، ووجدت من يؤرخ لها، بعد تعيين حدودها الجغرافية، ومن يتحدث عن الخصائص الفريدة أو المختلفة لشعبها، ومن يشرح دورها فى الإقليم والعالم.

فالدولة، إلى جانب تكوينها التقليدى، «وظيفة» تؤديها أيا كانت قوتها الصلبة واللينة أو مكانتها، متقلبة فى حالها هذا بين حدين متباعدين: الدولة العادلة التى تعمل عند أصحابها الأصليين أو أهلها الأساسيين وهم شعبها، صاحب المال والسيادة والشرعية، والدولة الظالمة التى لا يعنيها الناس إلا فى أنهم مجرد شرط ضرورى كى يقوم حكم على رقابهم، ويسخر وقتهم وجهدهم وأحلامهم فى سبيل مصلحة القلة التى تحتكر أسباب العيش، أو تستولى على ركائز القوة، ويكون فى يدها وحدها سلطة العطاء والمنع، والأخذ والرد، والعقاب والثواب.

والذين يجعلون من الدولة إلهاً موزعون على ثفاقات وخلفيات وظروف شتى، منهم فلاسفة ومفكرون وكتاب قدموا إسهامات نظرية ذات بال فى هذا الاتجاه، ومنهم المدلسون والمنافقون والمفسدون العابرون، أو الموظفون بعناية كأبواق تروج لهذا، دون أن تسميه بطريقة صريحة، أو حتى دون أن تدرك أهداف أصحاب القرار ومراميهم.

أما الذين يجعلون منها آلة فهم على إدراك شديد بتوظيف الدولة، كشخصية اعتبارية ورمزية وكيان مادى وتصور معنوى، فى خدمة مصالحهم ومنافعهم، حيث يستعملون آليات الدولة ومؤسساتها وقراراتها وإجراءاتها وقوانينها وقواعدها الحاكمة وتصوراتها عن نفسها ودورها فى سبيل أوضاعهم، وضمان استمرارها على حالها أطول فترة ممكنة، متخفيين من المساءلة والحساب، أو متهربين منهم على قدر استطاعتهم.

والدولة الإله لم تقف عند حدود من يسلكون طريق «الدولة الدينية» التى تجعل وظيفة الحاكم هى «حراسة الدين وسياسة الدنيا» مثلما صك فقهاء المسلمين، وتدمج بين منافع السلطتين الزمنية والدينية حسبما جرى بأوروبا فى القرون الوسطى، بل تعدتهم إلى مفكرين عقلانيين وعلمانيين دفعتهم ظروف معينة إلى «تقديس الدولة» وجعل مصلحة الحاكم فوق كل اعتبار، ورأيه قبل أى رأى، وقبل كل اجتهاد، وكل اتجاه، مثلما رأينا فى أصحاب «الآداب السلطانية» فى التاريخ السياسى الإسلامى، ونصائح نيقولا ميكافيللى للأمير، وإيمان هيجل بوجود الدولة ورسوخ قوتها، ومخاوف توماس هوبز صاحب «التنين»، الذى ولد فى عام استولى فيه الإسبان على إنجلترا فقال عبارته الشهيرة «فى عام الأرمادا، ولدت أمى توأمين، الخوف وأنا»، وكذلك لدى الكثير من ناقدى حركات الشعوب من أجل التحرر، والباحثين عن «الاستقرار والاستمرار» بأى ثمن، حتى لو كان مجرد جمود وقعود، وكذلك لدى بعض من يستخفون برأى الجماهير ومواقفها وسعيها الدائب من أجل تحسين شروط الحياة.

أما الدولة الآلة فقد كشفها الكثير من الرؤى النقدية التى روعها تضخم البيروقراطية وتحكمها، وترسانة القوانين التى سنها الأقوياء المتجبرين فى سبيل حماية مصالحهم، وتصرفات المؤسسات التى لم تتخل عن مزاعمها الدائمة بأنها هى الأجدر فى فهم المصلحة العامة، والأقدر على إدارة الشأن العام، والأولى فى الإمساك بتلابيب المجال العام، والأكيس فى امتلاك وسائل الإنتاج وتوزيع مصادر القوة المادية والمعنوية على المحكومين. ومن ثم قام هؤلاء بتسيير الدولة منفصلة عن المجتمع، لكنهم لم يعدموا الوسيلة التى سوقوا بها للشعب أن ما يفعلونه هو الخير المطلق، والحكمة السابغة، بعد أن كونوا بمرور الوقت جسدا طفيليا رهيبا غطى بغشائه السميك على قلب المجتمع وجنباته، وحوَّل المؤسسات التى عليها أن تمثل مصالح الشعب وتنطق بلسانه، وعلى رأسها البرلمان، إلى مجرد ذيل ملحق بالسلطة التنفيذية، أو خادم مطيع لما تراه، بينما صارت الأخيرة بتكوينها الأمنى والبيروقراطى هيئة قمعية وشكلا ممقوتا لسلطة خاصة، وليست سلطة الشعب.

نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدولة الإله والدولة الآلة الدولة الإله والدولة الآلة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon