توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأدب والمجتمع والاقتصاد (6- 6)

  مصر اليوم -

الأدب والمجتمع والاقتصاد 6 6

عمار علي حسن

(.. ولا يقتصر تأثير الاقتصاد فى الأدب على الشكل الأدبى فقط، بل يمتد تأثيره إلى مضمون النصوص الأدبية ذاتها. فالوضع الاقتصادى للمجتمع ينعكس على الرواية الواقعية، فتذهب بعيداً فى وصف الأمكنة التى يقطنها أبطال الرواية، مما يكشف وضعهم الطبقى، الذى يظهر من خلال رصد طرائق حياة هؤلاء الأبطال، ومظهرهم الشخصى).

فالروائى يستخدم الوجوه الجميلة، التى تشع بالحيوية والنضارة، والأماكن الفخمة والسلع غالية الثمن؛ ليعبر عن الثراء الاجتماعى، والعكس صحيح. ويمكن فى هذا المقام ضرب مثل على تعبير الرواية عن وضع اقتصادى معين، أو انعكاس الظروف الاقتصادية على النص الروائى، من خلال روايتى: «يوم قتل الزعيم»، لنجيب محفوظ، و«ذات»، لصنع الله إبراهيم. فكلتاهما أظهرت تأثير الانفتاح الاقتصادى، الذى بدأته مصر عام 1974، على أسلوب معيشة الأسرة المصرية، وقيمها الاجتماعية. وفى هذا الشأن يرى رائد الواقعية، جون فريفيل، أنه فى المجتمع المقسم إلى طبقات يعكس الأدب، بشكل مباشر أحياناً، وغير مباشر أحياناً، أوضاع طبقة معينة وآراءها السياسية، ألا وهى الطبقة التى تسيطر على وسائل الإنتاج المادى، وذلك من خلال سعيها للسيطرة على وسائل الإنتاج الفكرى أيضاً. ويتسق موقف فريفيل هنا مع النظرة الماركسية للمعرفة، على أنها تابعة للأوضاع المادية.

لكن لا يجب التعامل مع الرأى السابق على أنه قطعى، فالأدب، وكما سبق الذكر، قد يمثل إحدى أدوات الطبقات المسحوقة فى مواجهة الطبقة المهيمنة مادياً، والمحكومين فى مواجهة الحكام، وذلك حين يركز على المفارقة الناجمة عن الوضع الاجتماعى المختل، فاضحاً بطر الأثرياء، وموضحاً عوز المحتاجين. ومعنى هذا أن الأدب لا يمكن أن يكون تعبيراً عن طبقة واحدة، فى مواجهة الطبقات الأخرى. وقد يعود ذلك إلى أن الأدباء أنفسهم، وكما تم توضيحه سلفاً، لا يشكلون طبقة اجتماعية واحدة، بل ينتسبون إلى مختلف الطبقات والفئات أو الشرائح الاجتماعية. فلكل طبقة مثقفوها، الذين ينتمون إليها اجتماعياً ويعبرون عنها فكرياً.

فضلاً عن ذلك فإن «الطبقات ذاتها ليست جواهر ثابتة، ولا وحدات متجانسة، إنما هى فى حالة صيرورة، تتكون وتتقدم، ويمكن أن تتراجع وتتهدم، حاملة تناقضاتها فى داخلها.. فيمكن أن توجد الطبقة سياسياً واقتصادياً، دون أن تحقق وجودها الثقافى، ويمكن، فى شروط معينة، أن يسبق الوجود الثقافى الوجود السياسى، أو يفيض العقل السياسى للطبقة عن حدودها الاقتصادية»، وذلك حسبما يرى الناقد الكبير فيصل دراج.

وأخيراً، فإن الاقتصاد قد أثر أيضاً فى ظهور بعض مدارس النقد الأدبى، أو فى تفسير وجودها. فعلى سبيل المثال فإن مدرسة «الالتزام الاجتماعى» لم يشتد ساعدها، فى الولايات المتحدة الأمريكية، إلا مع زيادة حدة الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الكساد العالمى الكبير، الذى حدث عام 1929.

فمع بروز بعض الشرائح الاجتماعية الفقيرة، وجد الأدباء أنفسهم أمام التزام أخلاقى بضرورة الدفاع عن الفقراء، ومواجهة استغلال الطبقة الرأسمالية. كما أن ظهور الواقعية تواكب مع نهوض البرجوازية الأوروبية، منذ أواخر القرن السابع عشر، وتصديها لأيديولوجية الإقطاع والكنيسة. وفى المقابل فإن بعض الماركسيين يرون أن تشجيع تيار «الفن للفن» فى شتى أشكاله، سواء كانت تجريدية، أو رمزية، أو سريالية، استهدف خدمة الأغراض الطبقية للمجتمع البرجوازى.

وفى هذا السياق، يمكن النظر لموجة ما بعد «الحداثة» الأوروبية، التى اجتاحت الأدب فى أصقاع كثيرة من العالم، على أنها، فى جزء منها، تعد رد فعل على سعى الطبقات القادرة اقتصادياً للسيطرة على الثقافة. فأمام هذا الوضع لجأ الأدباء للنصوص الغامضة، وابتعدوا عن المباشرة، حتى تعجز هذه الطبقات عن فهم إنتاجهم بسهولة، ومن ثم تنظر إليهم بعين الإكبار. وفى الوقت ذاته فإن ما بعد الحداثة قد يكون رد فعل لحالة التشظى والاستلاب، التى انتابت الإنسان بفعل سيطرة المادة والتقنية على مختلف جوانب الحياة فى الغرب، ألقت بظلالها على إنتاج بعض الأدباء والفنانين، فى نصوصهم، التى قد تعبر عن الشعور بالعبث، أو اليأس، من تغيير الواقع، والانسحاق أمام طغيان المادة.

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأدب والمجتمع والاقتصاد 6 6 الأدب والمجتمع والاقتصاد 6 6



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon