د. وحيد عبدالمجيد
إذا صح أن لجنة التأديب في نقابة الأطباء حفظت التحقيق مع »الطبيب« المتهم بقتل فتاة أثناء قيامه بختانها، يصبح هذا القرار مشاركة ضمنية في هذه الجريمة وليس فقط تخلياً عن المسئولية. وإذا ثبت أن التحقيق حُفظ بالفعل، فهذا يعني تشجيعاً علي ارتكاب جريمة ختان البنات، وحماية من يقترفونها، وترسيخاً لتخلف اجتماعي صار مذهلاً حين يستمر في القرن الحادي والعشرين.
وتتجاوز دلالة هذا الموقف الغريب جريمة الختان بكل جوانبها المؤلمة، لأنه يعني أن المؤسسات التي نعول عليها في انتشال المجتمع من تخلفه تشجع استمرار هذا التخلف, وتتخلي عن دورها.
وقد تصادف أن تابعتُ نبأ حفظ التحقيق مع الطبيب الذي يجري عمليات الختان في الوقت الذي كنت أُطالع عملاً روائياً قصيراً أرسله لي مشكورا الأستاذ جلال عابدين حول هذه القضية يحمل عنوان »عطشان ياصبايا«.
وقد نجح الكاتب بأسلوبه الشيق وعبر بناء درامي بسيط ولكنه مكتمل الملامح أن يبعث رسالة واضحة وقوية عن الجريمة التي يرتكبها المجتمع في حق الفتيات اللاتي يُسقن إلي »مقصلة« الختان.
ومؤدي هذه الرسالة أن المسئولية عن هذه الجريمة مشتركة بين الأب (أو الأم) الذي يسوق ابنته إلي هذا المصير، ومن يرتكب الجريمة بمشرطه طبيباً كان أو داية. ويظهر الإبداع هنا حين يدمج الكاتب المسئولين الرئيسيين عن الجريمة في شخص واحد هو الأب الطبيب الذي خانته مهارته في إجراء عمليات الختان لكثير من الفتيات عندما قرر أن يختن ابنته.
فقد أراد أن »يكرمها« أكثر من غيرها. كان متأثراً بصدمته القديمة حين تزوج أم هذه الفتاة دون أن يعرف أنها كانت متزوجة عرفياً قبله، فلم يجدها بكراً. ورغم أنه صار طبيباً ناجحاً، فقد ظل عقله مغلقاً محدوداً بتقاليده الريفية ولم يسعفه في إيجاد تفسير لموقف زوجته بخلاف أن عدم ختانها هو الذي دفعها إلي الزواج مبكراً بدون موافقة والديها.
ولذلك توهم أنه سيحمي ابنته ويضمن لها حياة آمنة إذا »اتقن« ختانها. فكان أن توسع أكثر من اللازم، الأمر الذي أفقدها أي إحساس، ولم تتجاوب مع زوجها عندما فُرض عليها الزواج.
وهكذا دمر الأب الطبيب حياة ابنته، وحرمها من حقها في أن تكون زوجة وأماً عندما كبرت، فضلاً عن اعتدائه عليها وإهانته لها وهي في المهد صغيرة.