د. وحيد عبدالمجيد
ربما يكون رفض الإصغاء لمن ينبَّهون إلى انصراف قطاع واسع من الشباب وتراكم غضبه تحت السطح هو أخطر أنواع إنكار الواقع فى اللحظة الراهنة.
فقد أعاد عدد متزايد من كبار المسئولين التنفيذيين، والمنزلقين لنظام الحكم وأتباع «حزب كل رئيس»، إنتاج حالة انكار الواقع التى تسبب مثلها من قبل فى تراكم المشاكل والأزمات إلى أن بلغت مبلغاً لا يحتمل المزيد.
ويحدث ذلك فى مجالات مختلفة، وعلى مستويات متنوعة0 ولكن أخطره على الإطلاق هو ما يتعلق بإنكار أن قطاعاً واسعاً من الأجيال الأصغر، وخاصة فى الشريحة العمرية بين 18 و25 عاماً، يتجه إلى الانصراف عن المشهد العام الذى لا يجد نفسه فيه، بما يعنيه ذلك من تراكم مشاعر سلبية تتراوح بين الاغتراب والاستياء والغضب.
وهناك نوعان من منكرى هذا الواقع. أحدهما لا يستطيع قراءة حالة المجتمع، وخاصة فى قاعدته سواء العمرية أو الطبقية، إما لانفصاله التام عنها، أو لاستهتاره بها أو لعدم امتلاكه أدوات تحليل اتجاهاتها. ويبدى هذا النوع من منكرى الواقع استهانة شديدة بكل ما يقال عن انصراف الشباب. ولسان حال هؤلاء المستهينين هو «خليهم يتسلوا».
أما النوع الثانى من منكرى واقع انصراف الشباب فهم أكثر قدرة على إدراك بعض جوانب هذه الحالة وخطرها. ولكنهم يسيئون التعامل معها حين يظنون أن الحديث عنها ليس مناسباً فى ظل الخطر الذى تتعرض له البلاد، أو عندما يعتقدون أن إنكارها يخدم نظام الحكم الذى يبذلون جهوداً مضنية سعياً إلى الانضواء تحت لوائه بزعم خدمته رغم أنه غنى عن هذا النوع من الخدمة الملغومة. وهؤلاء هم الذين يُغلظون القول حين ينكرون واقع الحالة الشبابية.
ولذلك يظل التنبيه إلى خطر انصراف الشباب عموماً (حتى 30 عاماً)، والجيلين الأصغر فيه (من 18 إلى 25 عاماً أى طلاب الجامعات والخريجين الجدد) مضافاً إليهم الصبية بين 15 و18 عاماً، مهمة وطنية، حتى إذا كانت الأصوات المنَّبهة تضيع فى الزحام ووسط ضجيج الهتافات والأغنيات والأناشيد.
ولا يقل أهمية عن هذا التنبيه أن تضع مراكز الأبحاث الجادة دراسات الشباب فى مقدمة أولوياتها، لأن حدة الانفصال عن الأجيال الأصغر تؤدى إلى جهل بثقافاتها المختلفة ومجتمعاتها المنفصلة عن المجتمع العام. وربما تكون الانتخابات النيابية الوشيكة فرصة لهذه الدراسات.