د. وحيد عبدالمجيد
ليس هناك تناقض بين الاحتجاج على الرسوم المسيئة للإسلام حين نشرتها صحيفة دنماركية عام 2005، والدفاع عن صحيفة فرنسية فعلت الشىء نفسه قبل أيام. ولو أن إرهابيين اقتحموا تلك الصحيفة الدنماركية وقتلوا 12 وأصابوا 11 من صحفييها ورسَّاميها، لاقتضى ذلك الدفاع عنها.
فالموقف، هنا، لا يتعلق بالرسوم المنشورة والمرفوضة فى الحالتين، بل باعتداء وحشى مهول لا يجوز لإنسان أن يصمت تجاهه مهما كان خلافه مع المجلة. وربما لا تلقى مطبوعة فى العالم رفضاً واستهجاناً من الجميع تقريباً مثل مجلة «شارلى إيبدو» التى بلغت فى السخرية من الأديان والعقائد والمقدسات جميعها بلا استثناء مبلغاً يتجاوز التقاليد الصحفية المهنية.
ومع ذلك، فالفرق كبير بل لا مجال لمقارنة أصلا بين الاحتجاج على ما تنشره وإطلاق النار على العاملين فيها بدم بارد فى مشهد مروع. وهذا هو الفرق أيضاً بين احتجاجات سلمية على الرسوم التى نشرتها صحيفة دنماركية عام 2005، ورد متوحش على ما نشرته الصحيفة الفرنسية أدى إلى مزج الحبر بالدم.
فكثيرة هى سبل الاحتجاج على ما يعتبره أى إنسان مسيئاً إليه أو إلى هويته أو إلى قمة اجتماعية ينتمى إليها، بدءاً بالرد بالطريقة نفسها عبر وسائل الإعلام المختلفة، أو بالتظاهر ورفع الشعارات التى تعبر عن هذا الاحتجاج، أو باللجوء إلى القضاء.
غير أن الإرهاب لا يدرك قيمة هذا الاحتجاج السلمي، ولا يعرف إلا القتل الذى لا يكون الإنسان إنساناً إذا لم يرفضه ويدافع عن ضحاياه مهما كان خلافه معهم.
غير أنه لكى يكون موقف المدافعين عن ضحايا مذبحة باريس مستقيماً، ينبغى أن يشمل جميع ضحايا القتل بأشكاله كافة، بما فيها تلك التى تترتب على سياسات سلطات مستبدة تستهين بحياة الناس وتستعبدهم وتسحقهم فى كثير من تفاصيل حياتهم، فضلاً عن ممارساتها القمعية التى تطول بعضهم بصورة مباشرة. فالطغيان قاتل مثله مثل الإرهاب. وهما وجهان للعملة نفسها، ويدعم كل منهما الآخر ضمنياً. فالطغيان يوجد البيئة المجتمعية ــ السياسية ـ الثقافية التى تنتج غضباً بائسا يتحول إلى إرهاب حين يمتزج بالتعصب والتطرف. والإرهاب يوجد أجواء من الخوف تقدم ذرائع للطغيان.
وهكذا، يستقيم الموقف حين يجمع بين إدانة الإساءة إلى الأديان، ورفض الرد على أية إساءة بالإرهاب والقتل، وعدم قبول الطغيان السياسى وما يقترن به من سياسات وممارسات.