د. وحيد عبدالمجيد
وضع د. عبد الحميد الأنصارى يديه على جوهر المرض الذى أصاب المجتمعات العربية كلها بدرجات متفاوتة من حيث العمق والمدى، وانتشر فيها فخلق أعراضاً شتى يبدو الإرهاب هو أخطرها اليوم، وإن لم يكن هو الخطر الوحيد.
وعلى اختلاف المسميات التى نطلقها على هذا المرض، يظل المسمى الذى اختاره الأنصارى عنواناً لكتابه «ثقافة الكراهية» أكثرها صواباً واقتراباً من الواقع. فالكراهية هى أحد أهم التجليات السلبية لرفض الآخر. فهى، من الناحية النظرية، ليست مفهوماً مستقلاً بل مرتبط بمفهوم الآخر (كل آخر مختلف) وفهمنا له سلباً أو إيجاباً.
ولذلك أصاب الأنصارى عندما تطرق فى كتابه إلى مفاهيم أخرى تابعة لمفهوم الآخر مثل الإقصاء. فالآخر يُقصى لأننا نكرهه بسبب اختلافه، ونبرر إقصاءه بمزاعم من نوع أنه مشكوك فى عقيدته أو موثوق فى كفره، أو خائن للوطن، أو عميل للاستعمار أو لأى جهة أجنبية، أو من أعداء الشعب. كما تطرق إلى مفهوم التعصب بأشكاله المختلفة دينياً ومذهبياً وقومياً وفكرياً وأيديولوجياً وما يقترن به من رفض الآخر. وهناك أيضاً مفهوم التعالى بدعوى أن الفئات الأخرى أقل شأناً وقدراً وقدرة، وما يقترن به من احتقار للآخر.
وتقوم رؤية مؤلف الكتاب لثقافة الكراهية على أنها (توليفة من عنصرين هما التكفير والتخوين). فالتخوين هو الوجه الآخر للتكفير من حيث أن كلاً منهما يعبر عن أقصى حالات العداء تجاه الآخر.
وربما يعود د. الأنصارى فى عمل لاحق لبحث طبيعة العلاقة بين التكفير والتخوين بشكل أكثر تفصيلا، حيث يصبح المكفَّر خائناً والمخَّون كافراً ثم تتوسع الدائرة الجهنمية فى ظل انتشار ثقافة الكراهية. وعندئذ يجد كل من يرفض التكفير والتخوين متهماً بالكفر والخيانة فى آن معاً، لأن فكرة (من ليس معنا فهو ضدنا بل عدونا) هى أحد تجليات ثقافة الكراهية.
كما قد يرى د. الأنصارى فى كتاب قادم أن يجيب عن سؤال أساسى عن المدى الذى بلغه لجوء نظم عربية قمعية لتخوين معارضيها. فهو يتحدث عن هذه النظم فى ستينيات القرن العشرين، فى حين أن استخدام التخوين مازال مستمراً حتى اليوم، بل توسع نطاقه فى الفترة الأخيرة فى إطار سياسة غير رشيدة تلجأ إليه لخلق حالة تعبئة شاملة فى مواجهة الإرهاب، دون إدراك أن هذا النوع من السياسات ليس جزءاً من الحل بل من المشكلة.