د. وحيد عبدالمجيد
كانت مصر عام 1995 فى المفترق. كان حسنى مبارك فى مستهل فترة رئاسته الثالثة التى بدت حتى ذلك الوقت مفتوحة على طريقين، قبل أن يختار طريق الندامة. لم يكن الفساد قد ترسخ وتوطدت أركانه بعد. ولم يكن كبار رجال المال والأعمال صاروا جزءاً لا يتجزأ من بنية النظام.
فى ذلك الوقت، كان د. سعيد النجار المفكر الليبرالى وأستاذ الاقتصاد قد عاد إلى مصر بعد انتهاء فترة عمله فى البنك الدولى، وأسس مع عدد من أنصار الحرية جمعية النداء الجديد. كانت هذه الجمعية هى المنبر الأول فى تاريخ مصر الذى ينتمى بشكل كامل إلى الليبرالية، ويتبناها ويشرح أفكارها ويدعو إليها. ويبدو أن مبارك خلط بين المسحة الليبرالية المشوهة فى برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى نفذته حكومة د. عاطف صدقى بنجاح نسبى حتى ذلك الوقت والليبرالية الحقيقية بأبعادها السياسية والاجتماعية وليست فقط الاقتصادية التى آمن بها النجار. فقد عرض على النجار, عن طريق الراحل د. أسامة الباز الذى كان مستشارا لرئيس الجمهورية, لأن يتولى منصب نائب رئيس الوزراء، مع تلميح إلى ما هو أبعد فى الوقت الذى كان حدوث تغيير وزارى واسع متوقعا بعد شهور.
ويعنى ذلك أن النجار كان مرشحاً لرئاسة الحكومة التالية قبل أن أدرك مبارك أنه ليس من الصندوق القديم ويصعب إدخاله فيه. فقد رأى مبارك فيما طرحه النجار شروطاً مرفوضة، رغم أنها بديهيات أدى إغفالها إلى تدهور ازداد بسرعة فى السنوات العشر السابقة على الثورة، وفى مقدمتها أن تكون هناك حكومة حقيقية وليست سكرتارية للرئيس، وأن يرتبط الإصلاح الاقتصادى بإصلاح سياسى واجتماعى. ولذلك تراجع فورا, وكلف د.كمال الجنزورى بتشكيل الحكومة فى مطلع 1996.
فقد كانت الفجوة واسعة بحجم ما يفصل بين النجار والجنزورى رغم أن كليهما من أبرز أساتذة الاقتصاد الذين تعلموا جيداً ودرسوا فى الغرب ودرَّسوا فى مصر خلال النصف الثانى من القرن العشرين.
كانت رؤية النجار أكثر حداثة وانفتاحاً وديمقراطية وإدراكاً لطبيعة العصر وفهماً لطبيعة الأجيال الجديدة الصاعدة، لأنه لم يُحبس داخل الصندوق البيروقراطى القديم الذى ظل الجنزورى فى داخله منذ السبعينيات.
وقد أدى البقاء داخل هذا الصندوق إلى ما صارت مصر عليه، حيث تتاح لها الآن فرصة قد تكون الأخيرة للخروج منه قبل فوات الأوان.