جهاد الخازن
قبل أيام، كانت مستشارة ألمانيا تقول أن اللاجئين سيفيدون البلاد. اليوم هي تدعو الشرطة في كل مدينة إلى حماية النساء. بين موقفيها الأول والثاني، كان هناك هجوم أكثر من ألف رجل، غالبيتهم من السكارى، على النساء في محطة القطار الرئيسية في مدينة كولون والاعتداء عليهن أو السرقة منهن، وتلقت الشرطة 120 شكوى من نساء بينها واحدة عن اغتصاب.
كل خبر عن الهجوم عشية رأس السنة الميلادية قال أن المهاجمين «عرب أو من شمال أفريقيا»، ويبدو أنهم لا يدركون أن سكان شمال أفريقيا عرب أيضاً.
غير أن رئيسة بلدية كولون هنرييت ريكيير، وكذلك شرطة المدينة وشهود آخرون قالوا لا دليل قاطعاً على أن المهاجمين كانوا مهاجرين عرباً أو من شمال أفريقيا.
خصوم أنغيلا مركل، خصوصاً من أقصى اليمين، أصروا على التهمة واستخدموها سلاحاً سياسياً ضد المستشارة، غير أن جهات ألمانية أخرى رجّحت أن المهاجمين من عصابات محلية، وربما من دسلدورف المجاورة. ما أقول اليوم هو أن التحقيق لا بد أن يكشف الحقيقة، وإذا كان المهاجمون عرباً يجب طردهم من ألمانيا فوراً.
اللاجئون أثاروا جدلاً أوروبياً ازداد بعد أحداث كولون، وهناك أخطار من نوع أن غالبية المهاجرين ذكور، ففي الاتحاد الأوروبي كله السنة الماضية سُجِّل (رسمياً) 736 ألف مهاجر ذكر مقابل 265 ألف امرأة. ودخل السويد كل يوم السنة الماضية 90 ولداً مقابل ثماني بنات. أما إيطاليا واليونان فأعلنتا أن 66 في المئة من المهاجرين إليهما كانوا من الذكور.
ربما كان جاستن ترودو، رئيس وزراء كندا، أول من تنبَّه إلى هذا الخلل، فهو قبل شهرين أعلن أنه ابتداء من السنة هذه 2016، ستقبل كندا فقط نساء من سورية مع أطفالهن وترفض أي رجال أو قاصرين يأتون وحدهم.
بعض الدول الأوروبية أصبح يتحدث الآن عن خطر وجود مراهقين من دون عمل، ومن دون مهنة تؤهلهم للعمل، وبما أن ألمانيا استقبلت 1.1 مليون لاجئ السنة الماضية فهي تشعر بالضغط أكثر من غيرها، وأحزاب المعارضة تريد الحدّ من عدد اللاجئين فلا يتجاوز 200.000 في السنة. وثمة دعوات مماثلة في دول أخرى.
المشكلات حقيقية، والخوف في محله، ثم هناك أخطاء وكره وتحامل يتجاوز أقصى اليمين. وكان رئيس وزراء هنغاريا فيكتور أوربان أبدى خوفه على المسيحية في أوروبا من تدفق لاجئين مسلمين، وكأن السوري الهارب من الموت في بلده قرر أن يحاول فرض الإسلام على الأوروبيين. أسوأ منه رئيس تشيخيا مابلوس زيمان الذي صرَّح قبل أيام بأن موجات اللاجئين والمهاجرين وراءها منظمات إسلامية وجماعة «الإخوان المسلمين». الغريب في أمر زيمان أنه تجاوز السبعين وأنه يساري، إلا أن موقفه من الهجرة قديم ومعلن ومن نوع ما يقول يمين اليمين الأوروبي.
بعيداً من التطرف من أي مصدر و «فوبيا» قديمة عريقة الجذور عند بعض الأوروبيين من الأجانب، هناك خطر لا يجوز تجاهله هو اندساس عدد من الإرهابيين، أو أنصار الإرهاب، في صفوف المهاجرين إلى أوروبا. وقد أثبت التحقيق في إرهاب تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي الذي ضرب فرنسا أن أحد المخططين والمنفذين كان من هؤلاء.
غالبية عظمى من المهاجرين فرّت من بلادها طلباً لحياة أفضل، والمشكلة هنا مثل الشعرة في العجين، فهي تفسِد الخبز، كما يُفسد الإرهاب الهجرة، ويدفع المهاجرون الثمن.