جهاد الخازن
كتبت عن الفساد في لبنان واحتج قارئ مواظب قال إنني «زدت الهمّ على القلب»، وطلب شيئاً آخر.
ليس عندي شيء يزيل الهموم فهي أكثر من سهام المشركين، ولكن أعود بالقارئ إلى سنة 1912 عندما ضرب الأسطول الإيطالي بيروت انتقاماً من الأتراك.
أحمد شوقي قال:
بيروت مات الأسد حتف أنوفهم / لم يُشهِروا سيفاً ولم يحموك
بيروت يا راح النزيل وانْسِه / يمضي الزمان عليّ لا أسلوك
الحسن لفظ في المدائن كلها / ووجدته لفظاً ومعنى فيك
نادمت يوماً في ظلالك فتية / وسموا الملائك في جلال ملوك
قصيدة شوقي في نكبة بيروت معروفة فأنتقل الى حافظ إبراهيم الذي كتب «منظومة تمثيلية» عن النكبة نفسها، وشعره بين جريح من أهل بيروت وزوجته ليلى وطبيب وزائر عربي. الجريح يقول مخاطباً زوجته:
ليلاي ما أنا حيّ / يُرجى ولا أنا ميت
لم أقضِ حق بلادي / وها أنا قد قضيت
شفيت نفسي لو أني / لما رُميت رَميْت
بيروت مهد غرامي / فيها وفيك صَبَوت
جررت ذيل شبابي / لهوا وفيها جريت
ليلى سراج حياتي / خبا فما فيه زيت
ترد ليلى عليه:
لو تُفتدى بحياتي / من الردى لفديت
ولو وقاك وقيٌّ / بمهجة لوقيت
إن عشت أو مت إني / كما نَويت بنيت
يرد عليها الزوج الجريح:
ليلاي عِيشي وقرّي / إذا الحِمام دعاني
ليلاي ساعات عمري / معدودة بالثواني
فكفكفي من دموع / تفري حشاشة فاني
ومهدي لي قبراً / على ذرى لبنان
ثم اكتبي فوق لوح / لكل قاصٍ وداني
هنا الذي مات غدراً / هنا فتى الفتيان
ليلى تبصر قوماً قادمين من بعيد ويصلون ويقول العربي:
لا تيأسي وتجلدْ / أراك شهماً ركيناً
إبشر فإنك ناجٍ / واصبر مع الصابرينا
الطبيب يقول:
أواه إني أراه / بالموت أمسى رهينا
جراحه بالغات / تعيي الطبيب الفطينا
وعن قريب سيقضي / غضّ الشباب حزينا
الجريح مخاطباً زوجته:
رأيت يأس طبيبي / وهمسه في فؤادي
لا تندبيني فإني / أقضي وتحيا بلادي
الشعر جميل، وأين نحن اليوم من أحمد شوقي وحافظ ابراهيم. حتى الشعر العربي دخل غرفة العناية الفائقة، ولعله يقضي مع مَنْ قضى.
عمر كل من القصيدتين مئة وأربعة أعوام، وهما تنطويان على أمل بمستقبل أفضل وتحدٍ للظلم والعدوان. اليوم في بلادنا القاتل والقتيل من أهل البلد في سورية والعراق واليمن وليبيا وغيرها.
ليست عندي حلول. لا حلول اليوم أو غداً فلا أقول سوى: رحمتك يا رب.