جهاد الخازن
حقّق حزب العمال البريطاني في الانتخابات البلدية نتائج أفضل مما كان متوقعاً، ما يعني أن حملة أنصار إسرائيل على الحزب بتهمة لا ساميّة كثير من أعضائه فشلت. رئيس الحزب جيريمي كوربن اضطر إلى تشكيل فريق للتحقيق في مزاعم أرى أن هدفها الأول والأخير التغطية على جرائم حكومة إسرائيل ضد الفلسطينيين.
ما سبق يجعلني أعلن هنا اليوم تأييدي ماليا بوعطية وإدانتي خصومها جميعاً. قبل أن يسألني القارئ مَنْ هي هذه الآنسة أقول له إنها الرئيسة الجديدة لاتحاد الطلاب الوطني في بريطانيا.
أكثر من 800 عضو مُنتَخَب يمثلون طلاب جامعات وكليات بريطانية اختاروا بوعطية رئيسة للاتحاد في عملية تصويت فاجأت الجميع، فقد هزمت هذه الطالبة المولودة في بريطانيا لأسرة من أصل جزائري رئيسة الاتحاد ميغان دَن التي كانت تسعى لولاية أخرى.
هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) المتهمة دائماً بأنها تميل إلى اليسار لم تجد ما تقول عن ماليا سوى أنها رفضت يوماً مشروع قرار بإدانة الدولة الإسلامية. حسناً، أنا أدين الدولة الإسلامية المزعومة، وأعتبرها إرهابية بقدر ما أعتبر حكومة إسرائيل إرهابية.
«بي بي سي» التقت مع جريدة «الديلي ميل»، وهي تابلويد يمينية تقدم الفضائح على السياسة، فالجريدة أعلنت فوراً أن عدداً من الجامعات سيقترع للانسحاب من الاتحاد الوطني بعد انتخاب طالبة يسارية لرئاسته. ونسيت الجريدة أن الجامعات هي التي اقترعت لاختيارها رئيسة.
ماذا تذكرت «الديلي ميل» من نشاط ماليا السابق؟ تذكرت أنها نشرت على موقع إلكتروني سنة 2011 أن جامعة بيرمنغهام «موقع صهيوني». الجامعة تضم عدداً كبيراً من الطلاب اليهود، ولا بد أن بينهم معتدلين منصفين يريدون السلام ومتطرفين ليكوديين يؤيدون حكومة إرهابية في إسرائيل تقتل وتحتل وتدمر. ثم إن جريدة «الديلي ميل» تجاوزت الموضوعية فلم تسجل أن ماليا خريجة جامعة بيرمنغهام وتتحدث عمّا تعرف، كما أنها شاركت في حملات تنتصر للإناث، وتدافع عنهن إزاء جرائم العنف الجنسي. سأدين ماليا إذا أخطأت، ولكن لن أحاسبها على مواقف قديمة.
قبل هذا وذاك قرأت مقالاً في «فاينانشال تايمز» للمؤرخ سايمون شاما، وهو أكاديمي يهودي معتدل عالي المعرفة والقدرة، قرأت له أيضاً في «نيويورك ريفيو أوف بوكس». المقال كان عنوانه «مشكلة اليسار مع اليهود لها تاريخ طويل وتعِس».
وكان هناك عنوان فرعي هو: التظاهرات ضد إسرائيل وحملات مقاطعتها في خطر أن تتحول إلى اللاساميّة القديمة.
أقول له أن خطر عودة اللاساميّة القديمة سببه الأهم، وربما الوحيد، هو جرائم حكومة إسرائيلية إرهابية لا يسجل شاما في مقاله جرائمها، وإنما يسأل لماذا تُقاطَع مؤسسات أكاديمية وثقافية إسرائيلية، كثير منها ينتقد سياسة الحكومة، وتُترَك المملكة العربية السعودية وهي تعاقب حرية الضمير.
ما دخل السعودية بإرهاب حكومة إسرائيل؟ هل تحتل السعودية بلداً وتقتل أهله؟ هل موقف للحكومة السعودية يبرر قتل إسرائيل 518 طفلاً في صيف 2014 مع أكثر من 1500 رجل وامرأة؟ الطلاب حول العالم كله، خصوصاً في الولايات المتحدة، شكلوا جمعيات شعارها مقاطعة وسحب استثمارات وإدانة إسرائيل. اليهود في الولايات المتحدة أكثر منهم في إسرائيل، وغالبيتهم من الوسط واليسار. أما في إسرائيل فنصف اليهود من اليمين الديني وليكود والمتطرفين الآخرين، والكل من هؤلاء إرهابي.
حكومة إسرائيل إرهابية مجرمة، وكل مَنْ يدافع عنها مثلها فالحملة على لا ساميّة مزعومة تهدف إلى تحويل الأنظار عن إرهابها المجرم. أنصارها يحاولون قمع ناشطين يدافعون عن حقوق الفلسطينيين ومنهم روجر ووترز، نجم فرقة «بِنك فلويد» الذي يُتّهَم بالنازية واللاساميّة. أنتصر له أيضاً وأدين حكومة ديفيد كامرون التي تريد معاقبة معارضي الاستيراد من المستوطنات. إسرائيل كلها مستوطنة في أرض فلسطين.