بقلم جهاد الخازن
لا يستطيع أحد حصر أعداد الذين وقفوا فى طوابير طويلة أمام ماكينات الصرف الآلى ATM عشية عيد الأضحى، بعد أن أمضى بعضهم وقتاً أطول فى البحث عن ماكينة فيها بقية من نقود. كان كثير من الماكينات فارغاً لشدة الإقبال عليها فى الوقت الذى تزامن قدوم عيد الأضحى مع صرف المعاشات، وذلك بعد أيام قليلة على رواتب العاملين.
كما توقف بعض هذه الماكينات عن العمل لأن البرنامج الذى يتيح لبطاقات السحب الآلى أن تعمل “هنَّج” نتيجة الضغط الزائد عن طاقته. فقد توسعت بعض البنوك بشدة، وبما يتجاوز إمكاناتها التقنية، فى نظام الصرف الآلى. وبعد أن ظل هذا النظام فردياً لفترة طويلة، حدث توسع هائل فيه خلال فترة قصيرة للغاية نتيجة التعاقد مع أعداد هائلة من الهيئات والشركات لصرف رواتب العاملين فيها عن طريقه. وبلغ هذا التوسع ذروته ليشمل صرف المعاشات أيضاً.
وحدث ذلك بدون تطوير نظام الصرف الآلى، سواء من حيث برنامجه أو عدد ماكيناته، ليواكب الزيادة الهائلة فى أعداد من يستخدمونه، وقد صاروا يُعدون بالملايين.
وهذه خيبة الكترونية تضاف إلى قائمة طويلة من الخيبات التى نعانى منها. ولكن المفارقة فى هذه الخيبة أنها تتعلق بالمجال الذى يشهد أفضل مستوى من الابتكار فى مجتمع أفسد تدهور التعليم وتقييد الحريات قدراته الإبداعية فى معظم المجالات.
فأكثر ما يجذب الشباب النابهين الذين يحاولون تعليم أنفسهم هو الابتكار فى مجال البرمجيات. ويحقق بعضهم نجاحات مهمة عندما يجدون دعما أو رعاية، بينما يعانى أكثرهم إحباطاً لعدم وجود فرص لتحويل ما يبتكرونه إلى مشاريع تفيدهم وتساعد فى تقدم المجتمع.
وربما تكون الحاجة الماسة لتطوير نظام الصرف الآلى فرصة لفتح الباب أمام أعداد منهم عن طريق مسابقات تتوافر لها ضمانات الاختيار الموضوعى. فمن الضرورى تشجيع الابتكار فى هذا المجال حتى لا تؤدى قلة الطلب إلى إحباط من النوع الذى أصاب النابهين فى مجالات مختلفة على مدى عقود طويلة، وأدى إلى فقر معرفى خطير. فليس هناك تفسير لعجزنا عن صناعة موتور مثلا بعد أكثر من قرنين على إنشاء أول مدرسة عليا للهندسة إلا الإحباط الذى ينتج عن عدم الاهتمام بالإبداع والابتكار.