توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن مفهوم النكبة كمؤسّس لهوية الفلسطينيين

  مصر اليوم -

عن مفهوم النكبة كمؤسّس لهوية الفلسطينيين

بقلم - جهاد الخازن

يحيي الفلسطينيون كل عام ذكرى النكبة (يوم 15 أيار/مايو)، التي مضى عليها 69 عاماً، في اعتقاد منهم بأن هذا الأمر يغذّي مشاعرهم، ويبقي على آمالهم، ويعزز وحدتهم وهويتهم كشعب.

في الحقيقة ثمة عنصران، أو حدثان سياسيان كبيران شكلا الأساس للهوية الوطنية المعاصرة للفلسطينيين، ولإدراكاتهم لأنفسهم كشعب، وتالياً لإدراكاتهم لمحيطهم العربي ولعلاقاتهم بالعالم وبالعكس. الحدث الأول، وهو يتمثّل في النكبة (عام 1948)، والذي نجم عنه تشريد معظم الفلسطينيين، الذين أضحوا لاجئين محرومين من الهوية والوطن والتطور المستقل، ويخضعون لأنظمة سياسية أو سلطوية مختلفة، وتالياً إقامة إسرائيل على حسابهم كشعب. أما الحدث الثاني فيتمثل بانطلاق الكفاح المسلح، وحركة التحرر الوطني الفلسطينية، في منتصف الستينات، إذ على هذا العمود، ومن ضمنه تأسيس منظمة التحرير ككيان سياسي معنوي لهم، استطاع الفلسطينيون التحدث كشعب، وتقديم أنفسهم للعالم بهذه الصفة.

بيد أن مشكلة الفلسطينيين الهوياتية ظلت تكمن في العديد من الجوانب، ومثلاً، فإن التأسيس الأول، المنبثق من حدث النكبة، لم يكن كافياً، لأنه كان تعريفاً بالسلب، وبدلالة تصوير الآخرين لهم، سواء كانت إسرائيل، أو الأنظمة العربية، أو الأمم المتحدة. والمعنى أنه لا يمكن لشعب العيش مع هكذا تعريف، أو تعزيز هويته به، لأنه تعريف ينطوي على الانكفاء أو الذوبان والتبدّد، وتالياً فقدان المعنى، سيما مع غياب الإقليم الموحد والمجتمع الواحد، ولأن الهويات ظاهرة تاريخية، تتطور وتتعزّز أو تذهب نحو الأفول والغياب أو التحول. هذا أولاً.

ثانياً، رغم أن التعريف الثاني، المنبثق من إطلاق الكفاح المسلح وتأسيس منظمة التحرير، جاء بالإيجاب، كونه بمثابة رد فعل على الحدث الأول، وكونه أكد حضور الفلسطينيين كشعب ومنعهم من الغياب، وبالأحرى التغييب، أو من الإزاحة من المكان والزمان/الرواية التاريخية، إلا أن هذا الحدث ظل قاصراً إذ لم يستطع الفلسطينيون لأسباب ذاتية وموضوعية البناء عليه، أو تجسيده في معطيات جغرافية وديموغرافية وسياسية، وهو ما حصل، أو ما نشهد عليه هذه الأيام، مع أفول حركة التحرر الوطني الفلسطينية، وانتهاء ظاهرة الكفاح المسلح.

ثالثاً، في المقارنة بين الحدثين المذكورين كان الحدث الأول (أي النكبة) هو الأكثر والأرسخ تأثيراً، إذ نجم عنه اقتلاع معظم الفلسطينيين من أرضهم، واخضاعهم لسلطات وأنظمة مختلفة ومتباينة، حدّت من قدرتهم على التعبير عن ذاتهم كشعب، فيما الحدث الثاني لم يستطع تغيير هذا الواقع، رغم أنه استطاع في فترة من الفترات التعويض عن ذلك بوجود المنظمة.

رابعاً، ما ينبغي أن ندركه أن إقامة كيان السلطة الفلسطينية، بموجب اتفاق أوسلو (عام 1993)، مع استمرار الحدث الأول (النكبة)، وانحسار تأثيرات الحدث الثاني (الكفاح المسلح)، سيما مع تغييب منظمة التحرير، وضعنا أمام حدث مؤسّس ثالث، لا يمكن التقليل من تأثيره، وبخاصة أنه استمر، منذ 24 عاماً، أي أكثر من الحدث الثاني، الذي استمر أقل من عقدين (1965-1982)، علماً أن هذا الحدث (إقامة كيان السلطة) لم يلغِ، بل ثبت الحدث الأول، الذي مضت عليه قرابة سبعة عقود، وألغى الحدث الثاني.

الفكرة هنا أنه لا ينبغي النظر باستخفاف إلى الآثار الكبيرة المترتبة على حدث إقامة كيان فلسطيني، في الضفة والقطاع، أي في الأراضي الفلسطينية المحتلة (عام 1967)، فهو أقل من دولة وأكثر من حكم ذاتي، على الهوية الوطنية للفلسطينيين، وعلى إدراكات الفلسطينيين لذاتهم كشعب، خصوصاً أن ذلك الحدث أدى إلى تحويل الحركة الوطنية الفلسطينية إلى مجرد سلطة تحت سلطة الاحتلال، أي قبل إنجاز هدف إنهاء الاحتلال، وأنه لم يلغ، أو لم يستطع تجاوز، تداعيات الحدث الأول (النكبة).

لدى أي زائر إلى فلسطين، وهو ما حصل معي في زيارتي الأولى، وتعرفي إلى مجتمعات الفلسطينيين، لاحظت أنني إزاء تجمعات مختلفة في أولوياتها وحاجاتها ومطالبها، وفي نمط حياتها السياسية، وانتظامها في إطار قوانين مختلفة. هذا يشمل الفلسطينيين في دولة إسرائيل، أو فلسطينيي 1948، الذين تتعامل معهم إسرائيل ليس باعتبارهم عرباً أو فلسطينيين وإنما وفق هوياتهم الدينية الطائفية، أو الإثنية، كعرب ودروز وبدو وشركس. كما يشمل ذلك فلسطينيي 1967 في الضفة، والفلسطينيين في القدس، وفلسطينيي قطاع غزة، أي أن لدينا في فلسطين التاريخية أربعة تجمعات متباينة أو متمايزة للفلسطينيين. وإذا كان التجمع الأول، أي فلسطينيي 48، ميّزته الحركة الوطنية الفلسطينية، بإخراجها إياه من معادلاتها، ومن منظوماتها السياسية، منذ قيامها في منتصف الستينات، فإن التمايز بين التجمعات الثلاثة الأخرى، نشأ بنتيجة إقامة السلطة، وفق اتفاق أوسلو، قبل ربع قرن، لا سيما مع الانقسام الفلسطيني على السياسة والسلطة بين «فتح» و «حماس»، وانقسام كيان السلطة بين الضفة وغزة.

طبعاً لا يقتصر هذا الأمر على التجمعات الفلسطينية الأربعة في فلسطين التاريخية، التي ذكرت، إذ نجم عن إقامة كيان السلطة أيضاً تصدّع ادراكات الفلسطينيين، بين الداخل والخارج، إذ بات ثمة فلسطينيون خارج المعنى والمبنى الكياني الفلسطيني القائم، واختزلت فلسطين بجغرافية الضفة وغزة، والفلسطينيون بالمواطنين في هاتين المنطقتين.

فوق ذلك فمن المعلوم أن مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين في الخارج متباينة في أوضاعها وأولوياتها، إذ إن الفلسطينيين في الأردن يتمتّعون بالجنسية أو بـ «المواطنة»، وباتوا مثلهم مثل فلسطينيي 48، بمعنى ما، خارج المعادلات والمنظومات السياسية الفلسطينية (منذ 1970)، في حين دخلت مجتمعات الفلسطينيين اللاجئين في سورية ولبنان والعراق في طور التآكل، بحكم تدهور الأوضاع في المشرق العربي.

هكذا أصبحنا إزاء سرديات وأولويات فلسطينية متعددة، أو طبقات سردية أخرى، فوق السردية الأساسية المتعلقة بالنكبة، والتي أضحت عرضة للتآكل مع ولادة أجيال جديدة من الفلسطينيين لا يعرف أباؤهم، وربما أجدادهم أيضاً فلسطين، ولا يحملون شيئاً من ذاكرتها، سوى ما نقل إليهم من أهاليهم، أو ما قرأوا عنها في الكتب، مع ما يعنيه ذلك من فقدان الصلة الروحية بالبلد، التي تتغذى من الذاكرة، ومن الرموز، والعيش المشترك (راجع مقالتي: «الفلسطينيون أمام خطر خسارة الهوية»، «الحياة»، 25/4).

ما أريد قوله هو أن الحركة الوطنية الفلسطينية سهت، أو بالأصح لم تدرك، أهمية تغذية الذاكرة الفلسطينية، وتعزيز الصلة الروحية للفلسطينيين بالبلاد، وأهمية الحفاظ على السردية الفلسطينية الأساسية، وضمن ذلك عدم الارتكان لها لوحدها، لأنها تأسست على السلب، أولاً، ولأنها عرضة للتآكل، ثانياً، ولأنه تنشأ سرديات جديدة مختلفة مع أجيال جديدة ثالثاً.

لا يستنتج من ذلك أن السردية المتأسسة على النكبة انتهت، أو نسيت، فهي ستبقى ولكنها لن تنجح إذا اعتُمدت وحدها كأساس للتعبير عن هوية الشعب الفلسطيني، وعن صلته الروحية بالبلد، وعن تطلعه للبقاء شعباً أيضاً.

أعني من كل ما تقدم أن الفلسطينيين في حاجة إلى رؤية سياسية جديدة توحدهم، وتجيب عن الأسئلة المعقدة التي اختبروها في تجربتهم داخل البلد، وفي مناطق اللجوء، عن ذاتهم كشعب وعن وطنهم ومستقبلهم المتخيلين، وأن الحركة الوطنية الفلسطينية معنية بصوغ هكذا رؤية، كما هي معنية بصوغ الأطر المناسبة التي يمكن أن تكون بمثابة الوطن المعنوي الجامع، والتي يمكن أن تعوض عن غياب الوطن المتعين في إقليم وفي دولة، وهو ما حاولته سابقاً منظمة التحرير التي أحيلت إلى التقاعد على ما يبدو.
الفكرة أن تحرير فلسطين، أو انهاء دولة إسرائيل، كدولة استعمارية واستيطانية وعنصرية وأيديولوجية/دينية، بات أمراً متعذّراً لعقود، سيما بحكم ترهل أوضاع الفلسطينيين، وضمور حركتهم الوطنية، وغياب المعطيات العربية والدولية المناسبة، بخاصة مع الانهيار الدولتي والمجتمعي في بلدان المشرق العربي.

وعليه، ففي ظروف صعبة ومعقدة من هذا النوع، الأجدى للفلسطينيين التركيز على إعادة صوغ رؤاهم السياسية وأحوالهم الذاتية وعلاقاتهم البينية وكياناتهم الجمعية، كي يبقوا شعباً، بدل من الغرق في صراع تفاوضي عقيم، في ظروف عربية ودولية غير مواتية، أو الغرق في صراع على المكانة والسلطة على كيان فلسطيني هو أصلاً تحت سلطة الاحتلال، سيما أن هذا الكيان يتم بناؤه على أساس تصديع مفهوم الفلسطينيين كشعب.

 

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن مفهوم النكبة كمؤسّس لهوية الفلسطينيين عن مفهوم النكبة كمؤسّس لهوية الفلسطينيين



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon