حسن البطل
مقهاي له بابان، أمامي مغلق في رمضان حتى الإفطار، وخلفي مفتوح في شهر الصيام والإضرابات.
على مدار الساعة، تقريباً، يبث تلفاز المقهى شرائط عن حرب تراشق، صاروخي - جوي .. إلا في وقت المسلسل السوري، ومباريات المونديال، وبعض أحاديث رئيس السلطة.
تذكرنا حرب تموز (رمضان) المسماة فصائلياً "البنيان المرصوص" بحرب تموز ٢٠٠٦ بين حزب الله وإسرائيل، حيث دارت المعركة، تراشقاً، ٣٤ يوماً، بالصواريخ والقصف الجوي، بعد اختطاف حزب الله جنديين هما غولد فاسر والداد ريغيف.
لا أعرف ما اسم العملية الإسرائيلية، لكن أتذكر أن رئيس الوزراء، آنذاك، إيهود أولمرت، قال: "رب البيت قد جنّ".
في ١٧ / ٤ / ٢٠١١ حصلت عملية في مستوطنة ايتمار اسفرت عن مصرع خمسة مستوطنين (الأب والأم وثلاثة من الأولاد) لكن اسرائيل لم تطلق عملية عسكرية انتقامية واسعة النطاق.
منذ سنوات، صار الشعب الاسرائيلي فائق الحساسية لأمرين: اختطاف مستوطنين، كما جرى في الخليل، واطلاق رشقات صاروخية على الجبهة الداخلية الاسرائيلية.
التراشق الصاروخي - الجوي في جولة اسمها اسرائيليا "الجرف الصامد" وفصائلياً "البنيان المرصوص".
هل ان نتنياهو "قد جنّ" وسيأمر بعملية برية، ستؤدي الى تقطيع اوصال قطاع غزة، بهجوم مدرع في هذه الجولة الثالثة من الحرب، يقف الفلسطينيون وحدهم (تراشق صاروخي - جوي في القطاع، وتراشق حجارة في الضفة).
من يقرأ صفحة "الرأي" في الأيام سيدرك ان هامش "الوحدة الوطنية" الفلسطينية اقوى من هامش خلافات الرأي "الديمقراطية" في الحكومة والجيش والمجتمع الاسرائيلي.
في الحقيقة أن اركان البث التلفازي لفضائيات المقاومة، لا تتعدى اربعة عناصر: صواريخ تزمجر، سيارات الاسعاف في مستشفيات غزة تولول، الابنية المدمرة، كليا أو جزئياً، وتشييع الشهداء.
كان عدد ضحايا حرب تموز ٢٠٠٦ من المدنيين اللبنانيين ١١٩١ خلال ٣٤ يوما، لكن بعد خمسة أيام من البنيان المرصوص، بلغ عدد الضحايا الفلسطينيين حوالي ١٣٠ (مرشح للازدياد) لكن إعلام الفضائيات لا يتحدث عن عدد المقاتلين وعدد الضحايا المدنيين.
الحقيقة أن قلمي "ثقيل" في تناول الحرب الجارية التي تذكر بالتراشق الصاروخي - المدفعي المصري خلال حرب اكتوبر، والرد الجوي الاسرائيلي.
لماذا ثقيل، لأن عمري صار ٦٩ سنة، وهي جميعاً حروب وقصف اسرائيلي، ومدنيون يبحثون عن مأوى، وكثير من الشهداء، مقابل القليل من خسائر العدو.
إن التعبئة الزائدة لقنوات الفصائل الفضائية (فلسطين اليوم، القدس، الأقصى) قد تعطي مفعولا غير مشجع، لأن الناس تتفرج على "الحرب" واحيانا تخرج في تظاهرات تضامن، وتراشق بالحجارة وقنابل الغاز والرصاص المطاطي.
سنلاحظ أن حرب ٢٠٠٦ كانت انفرادية بين مقاتلي حزب الله والجيش الاسرائيلي، رغم ان الوضع العربي لم يكن بالغ السوء على ما هو عليه الآن، علماً ان غزة لم تشارك في دعم حزب الله بفتح جبهة صاروخية.
حرب ٢٠١٤ هي انفرادية ايضا، بين غزة واسرائيل، مع مشاركة الضفة في "تراشق حجارة" "حرب شعبية" وهذا يعني ان غزة متروكة لمصيرها، ربما يذكر بقول محمود درويش: "منكم السيف ومنا دمنا" باستثناء حساسية اسرائيلية مفرطة رشقات الصواريخ، ومدياتها التي وصلت حيفا.
ان هي الا أيام حتى نعرف ان "رب البيت قد جن" اي حكومة نتنياهو، او ان جهود التهدئة والعودة الى تفاهمات "عمود السحاب" ٢٠١٢ سوف تثمر.
من الواقع ان هدف الحرب الاسرائيلية سياسي اولاً، وليس عسكريا بالذات، أي ارغام السلطة وحماس على فك شراكة "حكومة الوفاق"، وهو امر لن يفعله رئيس السلطة في معمان الحرب، يبدو لي ان "العملية البرية" التي تلوح بها اسرائيل، هي التي ستشكل تطوراً عسكرياً وسياسياً معتبراً، وليس التراشق الصاروخي - الجوي.