حسن البطل
"رام الله هي فلسطين" هكذا عنونت صحافية مقالتها في "النهار" اللبنانية عن زيارتها، وعلى الأغلب بجواز سفرها الأجنبي. أنا فهمت وغيري من الفلسطينيين في الشتات لم يفهموا.
لو عنونت مقالتها "كل الفلسطينيين في رام الله" لفهمت أنا أيضاً، وغيري ربما فهم وعذرها.
كل الاميركيين في نيويورك؟ صحيح، وكل العالم في نيويورك (وباريس ولندن وروما)؟ صحيح. كل الأجانب في فلسطين في رام الله.. صحيح أيضاً، لأنك إن حضرت عرضاً راقصاً في "مهرجان رام الله للرقص المعاصر" ورمزه على "الكاتالوغ" RCDF ستلحظ ان ثلث الحاضرين من الأجانب.
ربيعنا العربي مخربط؟ هذا صحيح سياسياً، وربيعنا الفلسطيني مشربك! هذا صحيح على الأرض وفي السماء أيضاً. لماذا؟ تطلّ "الكوانين" من نافذة الشتاء على فلسطين - رام الله أسبوعاً نيسانياً، وعلى خارطة الأحوال الجوية في القنوات الفضائية يمد الشتاء لساناً بارداً، بحيث أن درجة الحرارة في رام الله نصفها في بغداد ودول الخليج، واقل من جنيف وبرلين الدافئتين المشمستين الآن.
شتاء ماطر، ربيع ناشف، وفي بعض ايام شباط نكتفي بقميص نص - كم، وفي منتصف نيسان نرتدي حلّة شتوية.. ويبقى ضباب رام الله هو الأجمل في فلسطين، وربما في العالم (ضباب لندن الشهير كان من دخان المواقد).
ربيع مشربك سياسياً واقتصادياً وفي السماء أيضاً، لكن الربيع الثقافي في رام الله على جري عادته: كل مساء تظاهرتان ثقافيتان، واكثر. الثقافة في رام الله معطف فضفاض على جسد نحيل!
هل نذهب الى رقصة اخرى في مسرح القصبة، ام نذهب الى مسرحية سليم ضو القادم من حيفا في القصر الثقافي رام الله، ام الى مسرح "عشتار" او مسرح المضطهدين .. او مسرح الطنطورة؟
بلى "رام الله هي فلسطين" إن كانت هي مقصد كل الفلسطينيين من نابلس الى الخليل، ومن اريحا الى حيفا، ومن زوار فلسطينيي الشتات الذين يحضرون مؤتمراً، ثم ينتهزون فرصة يوم لزيارة مسقط رأسهم والآباء والأجداد!
قلت إن أجمل ما في رام الله هو ضبابها، وقد أقول أن أجمل ما فيها اسمها! تلة الله او هضبة الله. تلالها هي الأجمل.
"مدينة تُبنى على عجل" كما قال درويش؟ نعم. قلب يخفق بالفلسطينيين من النهر الى البحر، وشوارعها "عجقة" بسكان القرى والمدن في الصباح، ولكن في المساء لا يبقى فيها سوى سكانها الذين يملأون مقاهيها المتكاثرة ونصف مقاعد صالاتها المسرحية. انها مرضعة ٤٠ قرية.
في النهار يبدو شارع يافا كأنه "نهر اصفر" من حديد وكاوتشوك ينقل بيتونيا الى رام الله، او ينقل رام الله الى بيتونيا، او ينقل بيرزيت الى رام الله، او ينقل رام الله إلى بيرزيت.. وبدرجة اقل ينقل المقادسة من القدس الشرقية الى رام الله وبالعكس.
التي كانت قرية اصطياف ملحقة بالقدس، صارت مدينة يلتحق بها أهل القدس الشرقية للعمل والسهر. ربع سياراتها في شوارعها تحمل لوحة صفراء عليها علم إسرائيل.
عندما كنت وكنا في المنفى، سألنا: أين يمكن ان نعيش في الضفة؟ قالوا: ليس للعائدين من كوادر المنظمة إلاّ رام الله، وأريحا، وبيت لم - بيت ساحور.
مدينة محافظة فلسطينية وإسلامية في وسطها، ومدينة حديثة وغربية في أطرافها، ومدينة كوزموبوليته في ثقافتها: هيا الى مهرجاناتها الثقافية في هذا الربيع المخربط - المشربك.
ملايين من البشر في: عمان، دمشق، بيروت .. وخصوصاً القاهرة، لكن في هزيع الليل برام الله، لا يوجد اكثر من مائة ألف ساكن، عليهم ان يملأوا المقاهي، ونصف المقاعد في الصالات الثقافية.
نعم، الفلسطينيون تحت الاحتلال، لكن إرادتهم حرة كما ليس في أي عاصمة عربية، ولسانهم طويل كما ليس في أي عاصمة عربية.
اسمها "رام الله" وهي جميلة في اسمها وفي ضبابها وفي تخبطها وحيرتها، وربما هي مدينة التلال الأجمل بين المدن العربية.
نقلاً عن جريدة " الأيام الفلسطينية "