حسن البطل
ستقودنا المتناهيات في الصغر إلى قلب الإنسان الخافق؛ والى قلب الأرض الخافق ايضاً. القلب يخفق (من ما قبل المهد إلى اللحد) لأنه عضلة جوفاء (ذات أربع حجيرات). أما قلب الأرض؟ ستتطور عملية القسطرة و"تمييل القلب" الى مسبار أدق من شعرة الرأس ومن خيط بيت العنكبوت. على رأس ذلك المسبار "روبوت" متناه في الصغر، والرأس مسلح مثلما رأس حفارة آبار النفط.. ثم يخرج "الروبوت ممتطياً دمعة عين، بعد ان يعالج العلة، وفق "أوامر" الجراح النطاسي، الذي يعالج "مسرح العمليات" عبر شاشة أمامه. وداعاً لمبضع الجراح، ولأيام النقاهة في المستشفيات... أما قلب الأرض، الذي حلم جول فيرن بالغوص فيه الى عمق "20 ألف فرسخ"، حسب عنوان رواية الخيال العلمي، فانه "يخفق" على معصم ساعة يد الزمان السرمدي، وفق نظرية "الحملان" الحرارية، التي تفسر طقس جو الأرض ونطاقات مناخها.. وأيضاً، الماء في "دلة القهوة"، و"طنجرة الحساء". يفكر العلماء بـ"عدة غطس" عبر مسبار، الى مركز الأرض. وبعد خرق، القشرة ستقود الجاذبية الأرضية ذلك المسبار الى مركز الأرض، او القلب واللب الحديدي الحار جداً. افترض العلماء وجود قلب حديدي للأرض، على عمق ثلاثة آلاف كيلو متر، بناء على حساب "الوزن النوعي" لكتلة الكرة الأرضية، التي تزيد كثافتها عن 6،5 عن مرة كثافة ماء البحر، وهي وحدة القياس التي تساوي (واحداً). ماذا لو كان افتراض القلب الحديدي للأرض، مثل ذلك الافتراض العتيق قبل اكتشاف كروية الكرة الأرضية؟ هناك من يفترض أن الكرة الأرضية هي، حقاً "سرج سابح" أي صهوة حصان، كما قال شاعرنا المتنبي، او كتلة تامة الاستدارة.. وجوفها تام الفراغ، لا يملؤه هواء، او حديد، او ماء. بالطبع، لو كان جوف الأرض هواء مضغوطاً، فان ثقباً دقيقاً جداً، لن يؤدي الى انفجار الأرض مثل قارورة الغاز المضغوط، ولو كان جوف الأرض "فراغاً كونياً"، فلن يؤدي ذلك الثقب إلى "تنفيس" الأرض مثل "بالون"، وانهيارها على مركزها. السبب بسيط: كما يتوقف النزيف السطحي بفعل التخثر الدموي، كذلك "يندمل" ثقب صغير جداً لمسبار دقيق جداً. ثمة نظرية أخرى، تقول ان مياه بحار سطح الأرض تغور تدريجياً بالتسرب الى باطنها. وبالفعل، فان "خرافية" جول فيرن تحدثت عن محيطات أخرى تحت محيطات سطح الأرض. وعلى ذلك، فان هذا الكوكب الذي ولد كتلة نارية ملتهبة، ثم كوكباً مائياً، على شكل مخاضة مائية في متوسط علو قامة الإنسان، قد ينتهي إلى المصير الحالي لجارنا القريب، كوكب المريخ. هناك دلائل على ان "الكوكب الأحمر" كان مائياً نوعاً ما، قبل ان يغدو قفراً يباباً. يزعمون ان كوكب عطارد هو صورة الماضي السحيق لكوكب الأرض، وان كوكب الزهرة، فينوس، او "الآلهة العزّى" عند العرب، هو صورة الماضي القريب نسبياً لكوكب الأرض.... واما كوكب "مارس" اليباب، فهو صورة المستقبل القريب - البعيد لكوكب الأرض المائي. هناك، ايضاً، مشروع لأخذ عينة من الحطام الأصلي، او المادة المتبقية، بعد ان انقسمت الكتلة الشمسية الى نجم وحيد عملاق، غازي، وملتهب، هو نجم الشمس، يحوي 99% من الكتلة الأصلية، وباقي الكواكب السيارة حول الشمس. وفق مناورة فلكية محسوبة بدقة فائقة، سوف يهبط مسبار أوروبي على رأس احد النيازك، بعد أن يمر بذيله الطويل، وفي الحالتين يجمع عينات، ويحللها ذاتياً، ثم يرسل نتائج التحليل إلى أناس عقلاء وحيدين يقبعون، على أحر من الجمر، فوق الكوكب المأهول الوحيد؛ العاقل - المجنون الوحيد. ستغير نظرتنا الجديدة الى تركيب مركز الأرض، وقشرة المريخ، وباطن الزهرة (لاحقاً) وما تحت قشرة التابع القمري للأرض، نظرتنا إلى انفسنا، لأنها ستغير نظرتنا إلى خليقة الكون، وخليقة الأرض.. والى المصير البشري ذاته، بدءاً من فلسفة شمولية - عقلانية معاً. لقد وضعوا خارطة مبسطة للكون الحالي، ونظرية اقل تبسيطاً للكون السابق، ونظرية معقدة لميلاد الكون، ونظريات افتراضية لتجدده أو نهايته.... ومبادئ نظرية، جديدة ومهولة، تقول بتعدده الأكوان، بعد تعدد المجرات التي تشكل كوناً واحداً قد يكون "قطره 15 مليار سنة ضوئية، أي في مثل عمره الزمني .. وهذه مصادفة تثير الصدمة والذهول. سيكون هذا القرن قرن السفر في مجاهل الخارطة الوراثية للإنسان.. والسفر في مجاهل الخارطة الجينية للكون ذاته؟! متناهيات في الصغر؟ متناهيات في الكبر؟.. سفر. سفر!
نقلاً عن جريدة الأيام