توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

"أشهد أنني قد عشت"

  مصر اليوم -

أشهد أنني قد عشت

حسن البطل

ستخرج جنازتي من هذا البيت، البيت الثالث والأخير في البلاد. صار لي بيت بعد سن الستين. تصوروا؟ تقول زعيمة حزب العمل الإسرائيلي: غير معقول أن يعمل الإسرائيلي براتب ثماني سنوات ليكون له بيت؟ قبل متوسط أعمار الرجال هنا بـ ١٣ سنة، صار لي بيت ستخرج منه جنازتي. بقي لي من أمل الحياة ست سنوات هي متوسط أعمار الرجال هنا. كم عموداً سأملأ هنا؟ عاش ميخائيل نعيمة سنوات بعد سن السبعين. وضع كتاباً عنونه "سبعون". سنتان وأُدرك سن السبعين.. ووداعاً لأطراف النهار، ربما لنهارات الحياة كلها وسنواتها. لن اضع كتاباً. ستخرج جنازتي من بيتي الأخير. كم منفى؟ اربعة مناف. كم بيتا في كل منفى. أربعة عشر بيتاً في اربعة مناف. كم جواز سفر؟ ستة جوازات قبل الجواز الأخير، في البلاد الأخيرة، في "الوطن المتاح" او المنفى الأخير. ستخرج جنازتي من بيتي الأخير. كم زيجة؟ اثنتان. كم طلاقاً؟ اثنان. كم ولداً؟ اثنان، بنت وصبي (واحد من كل زوجة). كم عملا؟ عملان طويلان. عمل - عملان في إعلام المنظمة، أولهما في الإذاعة، وثانيهما في المجلة المركزية.. وهذا العمل في هذا العمود، طويل العمر اليومي في الصحافة الفلسطينية. سأقصف عمر العمود قبل ان ينقصف عمري. أعرف ان القعود موت قبل الموت! ستخرج جنازتي من هذا البيت الأخير. كم سنة في المنفى (المنافي الاربعة)؟ ٤٧ سنة ونصف السنة، اطول من تيه قوم موسى في صحراء سيناء. كانت سورية، وهي شبه منفى - شبه وطن، أطول المنافي. وكانت قبرص وهي أجمل المنافي وأكثفها .. شبه منفى. لا أظن أنني سأعيش في بلدي عمراً يناهز عمر المنفى. الوطن السوري. أنا سعيد، محظوظ، وشاكر للشهداء انهم ماتوا لأعيش في البلاد أطول مما عشت في المنفى القبرصي ١٣ عاماً، واقل مما عشت في المنفى - الوطن السوري! كم مرّة أحببت ؟ هذا سر غير مغلق؟ كم امرأة غازلتها او غازلتني؟ هذا سر مغلق. وحبب أوطان الرجال إليهمو / مآرب قضّاها الشباب هنالكا.. لكن، كل حبّ كان قصير العمر يقصفه المنفى الجديد، ما عدا حبا واحدا بلغ من العمر أربعين عاماً ولا يزال ساخناً، مشاغباً، يبحر في العمر وفي المنافي ويعود إلى مرفئه، لا لشيء إلا لأن الأشرعة مزقتها رياح العواصف والعواطف العاصفة. كم نوعاً من السكائر دخنت؟ لا أدري. كم سنة؟ من سنة الهزيمة الحزيرانية الى أزمان المنافي، الى العودة للجزء المتاح من الوطن. في كل بيوت المنافي الاربعة، كنت أخرج، حرباً او طرداً، ومعي حقيبة - حقيبتان - حقائب اطوي بها اشيائي، وبعض اشياء بيتي .. لكن في بيتي الثاني المستأجر في البلاد والثالث، آخر البيوت ومستقرها، كانت شاحنات النقل تنقل أشياء البيت وتنقلني. كانت زوجتي الأولى تقول. السكن من السكون .. والسكون موت؟ .. وصرت بعد البيت الثاني المستأجر في البلاد، والبيت الأخير الذي ملكته بعد سن الستين أرى ان النقل من بيت الى بيت، أشبه بأشلاء ذبائح في مسلخ غير شرعي. الجثة المسلوخة (العفش) معلقة من عرقوبها، والى جانبها فروة الخروف، ورأسه، وكرشه. الذبيحة لا تعود للحياة .. البيت يعود للحياة! قال لي صديقي، محمد علي اليوسفي في قبرص: تعبت من حمل الحقيبة. تعبت من الانتقال من بيت الى بيت .. سأترككم واعود الى بلادي تونس، والى بيتي الأخير هناك. ستخرج جنازته من بيته الاخير في بلاده، ستخرج جنازتي من بيتي الاخير في بلادي. لا أعرف هل سيوارى صديقي في مثواه الاخير، حيث مسقط رأسه؟ قليل من الفلسطينيين المحظوظين سيوارون الثرى في مساقط رؤوسهم، وأنا لست محظوظاً، غير أنه على مكتبة بيتي زجاجة تحوي تراباً من مسقط رأسي، ونعفوا من هذا التراب على جثمان أمي وأخي الكبير في الشام. هل تخاف الموت؟ لا .. أخاف الخرف وأرذل العمر.. هل تخاف عذاب القبر؟ .. أضحكتني، ما هو حلم حياتك؟ أن أحمل حفيدي. ما أجمل ما في حياتك؟ أن اقطف الورد لحبيباتي، وان أرى طيوراً تتقافز على أفنان الشجر. ستخرج جنازتي من بيتي الأخير؟ "أشهد أنني قد عشت".

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أشهد أنني قد عشت أشهد أنني قد عشت



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon