سليمان جودة
اليوم، تجرى انتخابات البرلمان فى البحرين، ومن أطرف ما نشرته الصحف البحرينية عن الموضوع، أن مواطنة هناك تلقت رسالة من الإدارة المسؤولة عن تنظيم العملية الانتخابية، تدعو والدها إلى ضرورة الإدلاء بصوته.
المفارقة أن الوالد توفى منذ سنين، بما جعل ابنته ترد على الرسالة، وتكتب على موقعها الإلكترونى، أنها كانت تتمنى لو أن أباها استجاب للدعوة، وأدلى بصوته فعلاً، لولا أنه غير عنوانه، منذ فترة، إلى مقبرة النعيم!
وزير العدل من جانبه، استدرك الأمر بسرعة ودعا مع الابنة بالرحمة للوالد، وأرسل اعتذاراً عما حدث!
فإذا تجاوزنا الطريف إلى الجد، تبين لنا أن جماعة «الوفاق»، وهى الجماعة المعارضة الأكبر فى البحرين، قررت مقاطعة الانتخابات، وهى لا تقاطع وفقط، وإنما ترسل عناصرها باستمرار لإحراق خيمة انتخابية لمرشح هنا، أو أخرى هناك، وتفعل فى العاصمة المنامة ما تفعله الجماعة الإخوانية فى شوارع القاهرة، بتعطيل الطرق، وإشعال النار فى إطارات السيارات، وقذف الناس والمنشآت العامة بالمولوتوف!
ورغم أنها، كجماعة، كانت مدعوة منذ وقت مبكر إلى أن تشارك فى الانتخابات، ورغم أن التزوير فى العملية التصويتية صعب، بل يكاد يكون مستحيلاً، بسبب صغر حجم وعدد الدوائر، وبسبب قلة عدد الناخبين أنفسهم الذين لا يتجاوز عددهم نصف المليون ناخب، فإن «الوفاق» تعمل فى البحرين، بالمنطق نفسه الذى راحت الجماعة الإخوانية تعمل به عندنا، بعد ثورة 30 يونيو 2013، وهو: إما أن نحكم، أو نهدم البلد فوق رؤوس الناس!!.. ولا أريد أن أقول بمنطق «إما أن نحكمكم أو نقتلكم»، لأنه إبداع خاص بالإخوان فى بلدنا!
ثم لا أريد أن أشير إلى أن الذين يقاطعون الانتخابات عموماً، هم الذين يخسرون، فتجربتنا نحن، بامتداد سنين، تنطق بذلك، ولا أستطيع أن أشارك جماعة «الوفاق» قولها إن الإصلاحات التى قدمتها الدولة غير كافية، لأنى أعرف، ويعرف غيرى، أن الدكتور شريف بسيونى، المصرى القانونى الشهير المقيم فى الولايات المتحدة، كان هو الذى انتدبته الحكومة البحرينية، وطلبت منه، باعتبار أنه طرف مستقل، أن يعد تقريراً موضوعياً عن حقوق الإنسان فى البحرين، وقد أعده الرجل فعلاً، والتزمت السلطات هناك بكل ما أشار به شريف بسيونى، ومع ذلك، فإن هذا لم يكن كافياً فيما يبدو لإقناع «الوفاق» والمطالبين بالإصلاح عموماً، بأن تقرير بسيونى يجب أن يؤخذ، رغم أهميته على أنه مجرد خطوة على طريق طويل، وأن الإصلاح فى أى مكان بالدنيا لا يأتى مرة واحدة، وأنه من المهم أن يتحقق تدريجياً، وأن الأهم أن يبدأ، ثم يتواصل.
غير أن القصة باختصار، أن «الوفاق» تحظى بتعاطف أمريكى غير مفهوم بالمرة، وهو لا يختلف عن تعاطف الأمريكان مع الإخوان لدينا، وهو أيضاً تعاطف واحد فى جوهره، لأنه يقف مع الجماعات ضد الدول، وضد كيان الدول، وضد وجود الدول، لعلنا ننتبه جميعاً إلى أن ما يصدر عن أى ركن من أركان الإدارة الأمريكية، يوماً بعد يوم، عن أنها تدعم الاستقرار فى القاهرة، إنما هو كلام فارغ تماماً، فهى لا تدعمه فى القاهرة، ولا فى المنامة، ولا فى أى عاصمة عربية، ولكنها بكل أسف تدعم الفوضى، ولا شىء غير الفوضى، وعلى كل مواطن عربى مخلص لوطنه الأم، فى كل عاصمة عربية، أن يقطع هذا الطريق على الأمريكان، لأن وعى المواطنين وحده، هو ما نراهن عليه، وهو الذى سوف يقف حائط صد، ويكشف عمق الفجوة بين ما يقوله الأمريكان، وحقيقة وبشاعة ما يفعلون!