كنت قد ذهبت، الأسبوع الماضى، إلى الدوحة، مدعواً من الدكتور حسن مصطفى، رئيس الاتحاد الدولى لكرة اليد، وكنت أريد أن أشاهد المباريات الأخيرة، فى بطولة العالم، التى انعقدت هناك بين منتخبات رياضية من جميع أنحاء الدنيا، من أجل الفوز بكأس العالم فى هذه الكرة.. كرة اليد!
وكان منتخبنا الوطنى مشاركاً، وكان أداؤه رائعاً حتى مباراته الأخيرة مع ألمانيا التى خسرها، وكان الأمل أن يتجاوز هذه المباراة إلى غيرها، لولا أن الفُرجة عن قرب على منتخبات أكثر من دولة تقول لنا إن المسألة ليست تدريباً لأعضاء كل منتخب، فى الكبر وفقط، وإنما هى تعليم وظروف نشأة فى الصغر أولاً، وليس أدل على ذلك من أن منتخبات أوروبا، على سبيل المثال، تبدو متقاربة جداً فى مستوياتها، وتظل هناك فجوة واضحة بين مستوياتها هذه، وبين مستوى أى منتخب عربى!
مثلاً.. عندما لعب منتخب إسبانيا مع منتخب بولندا، تعادلا 24 هدفاً مقابل 24 هدفاً، بعد مباراة ممتعة، فكان لابد من خمس دقائق إضافية يغلب أحدهما فيها الآخر، فتعادلا للمرة الثانية 26 هدفاً مقابل 26 هدفاً، فتم إعطاؤهما خمس دقائق أخرى لعل أحدهما يغلب الثانى، ففازت بولندا بهدف واحد لا غير، وفى آخر ثانية!
وعندما جاء موعد مباراة النهائى فى البطولة، بين المنتخب الفرنسى، والمنتخب القطرى، وقف الاستاد كله على أصابع أقدامه، وكان كل هدف يدخل فى مرمى أى فريق منهما يخلع قلوب مشجعيه!
وقد فاز منتخب فرنسا بالكأس، بعد مباراة كانت مرهقة لأعضاء المنتخبين، بقدر ما كانت مبهجة للذين جلسوا فى الاستاد، يشاهدون ويتفرجون هنا، أو يشجعون بحماس هناك!
وفى وقت مبكر من البطولة قال واحد من الخبراء الفاهمين إن الكأس لن يخرج عن فرنسا، أو إسبانيا صاحبة الكأس فى البطولة الماضية، التى أقيمت قبل عامين، بما يعنى أن العالمين بأسرار رياضة من هذا النوع كانوا يعرفون مسبقاً أن مستوى أداء منتخب فرنسا يؤهله لبطولة العالم، وأن مستواه، وهذا هو الأهم، لا يأتى من فراغ، وأن هناك، كما قلت، تعليماً فى الصغر، وظروفاً تؤهل فى النشأة، وتختلف بالضرورة عن ظروفنا نحن هنا، ثم إن هناك تدريباً لا يعرف العبث فى الكبر!
وأثناء مباراة النهائى كنت أتابع من مقعدى سير المباراة، وكانت تأخذنى براعة لاعبين بعينهم، فى هذا المنتخب تارة، وفى ذاك تارة أخرى، ومن المقعد لاحظت أن الجماهير أمامى، تلوح لشخص ما، فى المقعد الذى يقع خلفى مباشرة، وحين التفت استطلع الأمر أدهشنى أن يكون الجالس فيه هو الشيخ حمد بن خليفة، أمير قطر السابق، والذى يتخذ لقبه هناك بأنه الأمير الوالد.. وكانت تستقر إلى جواره زوجته الشيخة موزة.
جاءت عيناى فى عينيه، فأشار بيده محيياً، فقمت من مقعدى أصافحه، ثم عدت إلى مكانى!
مضت نصف ساعة، هى مدة الشوط الأول، وأخذنا استراحة 15 دقيقة، ففوجئت بشخص جاء يخبرنى بأن الأمير الوالد يريد أن يرانى فى استراحته الملاصقة لمقعده.
قمت، ثم ذهبت، وصافحت من جديد، ودعانى للجلوس، وجاءت الشيخة موزة تصافح، وتسأله وهى تشير نحوى: هل تعرف فلاناً؟!.. قال ضاحكاً: نعم أعرفه وأعرف أنه مع السيسى!.. قلت بسرعة: أنا مع مصر قبل أن أكون مع السيسى!
ودار حوار لعشر دقائق تقريباً، إلى أن بدأ الشوط الثانى، وما سمعته منه أن نهضة بلده، أو أى بلد عربى دون استثناء، غير ممكنة، بغير نهضة القاهرة، وأن تجربة الأشهر الستة أو السبعة الماضية، من حكم الرئيس السيسى، تقول إن حلاً سياسياً للأزمة لابد أن يكون له مكان وفى هدوء.
قلت: الحل من هذه النوعية كان مطروحاً ومتاحاً منذ البداية، عندما تلقى الإخوان دعوة لحضور اللقاء الذى سبق إعلان خريطة الطريق فى 3 يوليو 2013، غير أنهم هم الذين رفضوا!
قال: أنتم الذين استعجلتم إسقاط الإخوان، وقد كانوا ذاهبين إلى فشل مؤكد فى الحكم، وكان المتابعون لأدائهم فى السلطة يعرفون ذلك ويرونه، وكان سقوطهم التلقائى مؤكداً لو أنكم تركتموهم لأنفسهم!
قلت: هم كانوا مدعوين إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة بعد مرور عام عليهم، ولكنهم رفضوا، وتعنتوا فى الرفض، وقد كانت انتخابات دعا إليها المصريون بعد أن فقدوا قدرتهم على الاحتمال.
عاد ليقول إن تلك مسألة كبيرة، وإن المهم الآن أن يشجع كل محب لمصر على حل سياسى، لأنه ليس من الممكن أن تقذف بفصيل بكامله فى البحر.
وكان رأيى أن هذا الفصيل ذاته هو من يغلق الطريق، كل يوم، نحو حل على هذا المستوى.. ولو شاء لكان قد فتحه، وأنقذ نفسه مما هو فيه، ومما هو ذاهب إليه!
بدأ الشوط الثانى، وعاد كلانا إلى مقعده، بعد أن دعتنى الشيخة موزة إلى زيارة مؤسسة قطر للعلوم، وهى مؤسسة كانت هى وراءها، ولم أكن قد رأيتها من قبل، وتقوم على فكرة أن الثروة لدى قطر، أو غير قطر فى الخليج من البترول، أو من الغاز، إنما هى ثروة ناضبة مهما طال أمدها، وأنه لابد من ثروة بديلة، هى بطبيعتها باقية ولا تنضب أبداً.. إنها ثروة التعليم والاستثمار فى البشر!