سليمان جودة
فى مدينة مانيلا، قابلت عزالدين تاجو، سفير الفلبين فى السعودية، وسألته عن مصادر الدخل الأساسية بالنسبة لبلاده، فقال إنه بخلاف الزراعة والصيد، وغيرهما، فإن المصدر الأساسى يأتى من خدمات الاتصال التى تنافس الفلبين، الهند، فى تقديمها للعالم!
ولابد أن الهنود يندبون حظهم، الآن، لأنهم كانوا إلى وقت قريب بلا منافس حقيقى فى هذا المجال، وكانوا يحصلون من ورائه على دخل هائل فى كل عام، وكانوا يتصورون أنه سوف يظل حكراً عليهم، وأنه لا أحد سوف يستطيع أن يخوض معهم منافسة فى هذا الاتجاه!
وكانت جامعة هارفارد الأمريكية قد أجرت استطلاعاً بين عدد من طلابها، قبل شهر تقريباً، عما إذا كانوا يريدون الإقامة فيما بعد، فى الصين، باعتبارها مصنع العالم، فى الوقت الراهن، أم فى الهند، بوصفها مخزن تقديم خدمات الاتصال للعالم كله، فى الوقت الحالى أيضاً؟!
وإذا سارت الأمور فى الفلبين، التى تكاد تجاور الهند، على ما تسير عليه فيها الآن، بل على ما تسير عليه هناك، منذ سنوات، فربما تراجع «هارفارد» استطلاعها، فى المستقبل، وتضيف هذه الدولة الثالثة، لا لشىء، إلا لأنها تنافس الهند فعلاً، فى تقديم مثل هذه الخدمات، وبقوة!
غير أن السؤال هنا، ليس عن خوضها هذه المنافسة، أو عدم خوضها، بقدر ما هو عن الأسباب التى هيأتها لأن تنافس، ومنعت غيرها من الدول عن أن تنضم إلى السباق ذاته!
وحين تذهب أنت لتتحرى الأسباب، فسوف تكتشف أنها سببان، لا ثالث لهما، وأن الأول منهما هو إجادة الفلبينيين اللغة الإنجليزية، منذ الصغر، إلى جانب لغتهم المحلية طبعاً، وأما الثانى، فهو المهارة التى يؤدى بها الفلبينى عمله، وهى مهارة ليست فطرية، ولا موروثة، وإنما ترجع إلى تدريب جاد، وتعليم أكثر جدية، لكل فلبينى، أو فلبينية، ليستطيع كلاهما أن ينافس آخرين يتصارعون على إتاحة خدمات الاتصال، بتكلفة أقل، لأكثر من دولة على امتداد الأرض.
لا تسأل من فضلك عما إذا كان لنا مكان فى هذا العمل، أم لا، لأن الجواب، كما يقال، نعرفه من عنوانه، ولأن عنوانه يقول بأن اللغة الإنجليزية التى هى أساس المنافسة حالياً، كانت لغة أساسية، فى جميع مراحل التعليم، بلا استثناء، قبل ثورة يوليو 1952، وكانت مادة للنجاح والرسوب، وكانت إجادتها شرطاً لانتقال الطالب من مرحلة تعليمية إلى أخرى، ولذلك، فليس غريباً أن عبدالناصر، والسادات، ومبارك، الذين تعلموها فى مدارس حكومية، كانوا يجيدونها، وكانوا يعرفون كيف يتفاهمون بها مع العالم، ولذلك أيضاً، فليس غريباً، أن «مرسى» الذى تلقى تعليماً فى الولايات المتحدة، لا يجيدها، ولا يعرف كيف ينطق جملة سليمة بها!
وحين وضعت اللجنة التأسيسية دستورنا الكسيح الحالى، فإنها نظرت إلى اللغة الإنجليزية، على أنها نوع من الترف، أو نوع من الكماليات التى يمكن الاستغناء عنها، وراحت تتحدث عن تعريب العلوم، وعن تدريسها ودراستها فى جامعاتنا ومدارسنا باللغة العربية، دون أن يلتفت الذين وضعوا مادة بهذا المعنى، فى الدستور، إلى أنهم ارتكبوا خطيئة فى حق أجيال مقبلة، وأنهم عندما أقروا مثل هذه المادة قد فصلوا أجيالاً عن العالم، بقصد أو عن غير قصد!
انسفوا هذه المادة فى الدستور، وأعيدوا الإنجليزية إلى ما كانت عليه قبل «يوليو» فى الجامعات والمدارس، لأن البديل هو أن تنشأ أجيال بكاملها فى عزلة تامة عن الدنيا وما يجرى فيها!
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"