بقلم سليمان جودة
شاهدت فى المركز العلمى الكويتى، الذى يطل على الخليج العربى، فيلماً علمياً عن رحلة إلى الفضاء.
الرحلة قام بها عدد من رواد الفضاء، لاستكشاف أرجاء الكون فى الكواكب الأخرى من حولنا.
ولولا أنك، وأنت تشاهد الفيلم بامتداد ساعة، تعرف أن ما تراه أمامك قد تحقق بالفعل ذات يوم، لاعتقدت أنه خيال فى خيال!
والحقيقة أن الخيال هو فى الأصل صانع الواقع المتفوق من حولك، سواء كان فى رحلة الفضاء التى تابعتها أو فى غير رحلة الفضاء، ولولاه ما كانت البشرية قد تحركت من مكانها خطوة واحدة إلى الأمام!
ولايزال العالم الإنجليزى إسحاق نيوتن، الذى عاش فى القرن السابع عشر، هو الرائد فى هذا الاتجاه.
وعندما أقاموا له تمثالاً فى جامعة من جامعات إنجلترا، كتبوا على قاعدته هذه العبارة: لقد تفوق صاحب هذا التمثال على النوع البشرى كله، بخياله!
والمعنى أن الخيال هو أساس التفوق، وأنك بغيره لا تصل إلى ما يميزك عن الآخرين، كفرد، أو كشعب تقوده حكومة لابد أن تعتمد الخيال دستوراً فى حركتها على الأرض.. لابد لأنه لا بديل آخر فى السباق مع العالم.
وفى الفيلم سوف تشاهد رائداً فضائياً يمشى فى الهواء، دون أن تستند قدماه إلى شىء.. أى شىء.. وسوف تشاهد رائداً آخر يحلق ذقنه داخل مركبة فضائية، فيلتقط ماكينة الحلاقة من على يمينه، وهى معلقة تماماً فى الهواء، لا يحملها أى شىء.. فلا جاذبية أرضية هناك، يمكن أن تشدها إلى الأرض، أو أن تجذب الرائد الذى يتجول فى الفضاء هو الآخر، بينما قدماه فى الهواء الطلق!
ولم يكن كثيراً على أولئك الرواد أن يخرج الرئيس الأمريكى ريجان بنفسه، معزياً العالم على الشاشات، إثر احتراق مركبة فضائية، بكل الذين كانوا فيها، وقت أن كان هو فى الحكم مطلع ثمانينيات القرن الماضى!
ولم تعرف مصر حاكماً صاحب خيال، فى تاريخها المعاصر، سوى السادات، الذى ما إن جاء إلى الحكم عام 1970، حتى راح يتخيل مصر التى يريدها، ثم راح يعمل بوحى من خياله، ولو أمدّ الله تعالى فى عمره، لكانت مصر الآن غير مصر التى نراها!
وعندما ذهب إليه الدكتور نبيل العربى، عضو عملية التفاوض مع إسرائيل على الانسحاب من أرضنا، يشكو خشية زملائه الأعضاء معه فى العملية من أن تكون سيادتنا على الأرض ناقصة بعد عودتها، قال: يا ابنى أنتم مشغولون بالتفاصيل، وأنا مشغول بما يتجاوزها، وأريد كفلاح منوفى أن تكون أرضى تحت يدى، وما بعد ذلك سهل، ولا يمثل مشكلة!
وإذا كان هناك شىء ينقصنا فى البلد هذه الأيام، فهو الخيال من النوع الساداتى نفسه، الذى يتجاوز الواقع ليغيره، لا الذى يساير الواقع أو يغازله!