أسامة غريب
عندما تنشر الصحف أخباراً عن رفض بعض الدول الغربية منح تأشيرة دخول للسادة الشيوخ الذين رشحهم الأزهر للسفر خلال شهر رمضان، رغم توجيه الدعوة لهم من المراكز والجمعيات الإسلامية بالمهجر. عندما يحدث هذا فإنه يثير عندى شعورين متناقضين.. أولهما بالاستياء من الغطرسة الغربية تجاه رجال دين لا يوجد منهم أدنى خطورة تبرّر رفض منحهم التأشيرات. لكن من جهة أخرى يخالجنى شعور بما يشبه الارتياح.. ذلك أننى ومن خلال تجربتى الشخصية وما شهدته بنفسى لسنوات فى الخارج أصبحت أتمنى ألا تقع هذه الزيارات لا فى رمضان ولا فى غيره، لأن الأزهر لم يعُد هو الأزهر ورجاله لم يعودوا رجاله!.
ولا أستطيع أن أرى أن رقة الحال يمكن أن تكون عذرا للسلوك الذى يؤخذ على بعضهم حين يتفرغون طوال الشهر الكريم لجمع الهدايا والأموال وكل ما يمكنهم أن يحصلوا عليه بسيف الحياء من أفراد الجاليات العربية، وتنافسهم مع بعضهم البعض فى هذا المضمار، ومحاولة كل منهم الاستئثار بالغنائم وحده، ونثر الشكوك بواسطة الواحد منهم حول زملائه، ويصل الأمر أحيانا إلى تصرفات مزرية بالنفس والكرامة إلى أبعد حد من أجل تحقيق الهدف الخاص من رحلة القنص هذه!.
والأمر المدهش أن المراكز الإسلامية بالغرب ليست خالية من علماء أفاضل من كل البلاد الإسلامية الذين استوطنوا واستقروا بالخارج، وأصبحوا يديرون شؤون هذه المراكز بكفاءة واقتدار، ومعارفهم الفقهية تبعث على الإعجاب، ولم يعودوا يحتاجون إلى من يأتيهم من مصر أو غيرها.. خاصة أن المواقف السياسية لمصر فى السنوات الأخيرة، ودعمها لكل من قاموا بالعدوان ضد العرب والمسلمين فى أى مكان، واندفاع الأزهر فى تأييد ومباركة كل المواقف الرسمية مهما بلغت من شطط.. كل هذا قلّل من قيمة كل ما يأتى من مصر بدءا من المدرس والطبيب حتى البطاطس المصابة بالعفن البنى!.
غير أن ما يحدث هو الإلحاح إلى حد التوسل فى الحصول على خطاب دعوة من المراكز الإسلامية، أو خطاب تزكية من السفير المصرى يشهد فيه بأن فلانا قد أبلى بلاء حسنا، وأن الجمهور هنا قد أحبه دون غيره ويريده أن يأتى فى العام القادم!.
وللقارئ الكريم أن يتخيل أن هذه المحاولات يقوم بها كل منهم على حدة من خلف ظهر أقرانه، ومع نفس الشخوص، الأمر الذى يجعلهم مادة للتندر بعد رحيلهم!.
المدهش أننى رأيت واحداً من هؤلاء وكان للغرابة يعمل طبيباً، بالإضافة إلى موضوع المشيخة، وكان يغضب لو رآنا نقدمه للناس بصفته الطبية، لأن هذه الصفة كانت خليقة بمنحه نظرة أخرى فى عيون الناس أساسها التقدير والاحترام وهما الصفتان اللتان تجعلان من التنطع والتسول أمراً صعباً!.. كان هذا الرجل يفضل أن يمازحه الناس باعتباره رجلا بركة من شيوخ الفتة الذين يتنقلون من بيت لبيت ومن مجلس لمجلس، يجمعون النفحات من أهل الخير ويقدمون لهم سهرة يختلط فيها القرآن بالحديث بالحواديت بالنكت الجنسية إلى آخر ما شئت، ما دام كل هذا يؤدى لملء الزمبيل والعودة من طلعة القنص هذه مجبورى الخاطر، مع التطلع لأن يقوم المركز الإسلامى وسيادة القنصل والسفير بتزكيته ليعود فى العام التالى ليملأ ليالى المهجر أنساً وطراوة وصهللة!