أسامة غريب
حضرت فى حياتى اجتماعات ولقاءات ومؤتمرات وورش عمل وجلسات عصف ذهنى وأشياء كثيرة من هذا الصنف، وكلها من تجليات العولمة الهادفة إلى نشر الأنس والسرور دون أن يكون لها بالضرورة فائدة. وفى العادة فإن هذه الاجتماعات تعقد بالفنادق الكبرى داخل قاعات فاخرة ويتم تنظيمها فى كبريات المدن العالمية. فى هذه الاجتماعات يتحلق الحضور حول طاولة كبيرة قد رصت فوقها زجاجات الماء والأوراق والدفاتر والأقلام، وعادة ما تكون بالقاعة مائدة خلفية عليها الشاى والقهوة وغلاية الماء إلى جانب المأكولات الخفيفة.
فى أثناء هذه الاجتماعات دائماً ما كنت أسرح وأطلق العنان لأفكارى ويأخذنى الخيال شرقاً وغرباً، وأحياناً كنت أسحب ورقة وأقوم بكتابة قصة قصيرة أو أبيات من الشعر بينما الجلسة على أشدها والحضور يلوكون كلاماً يبدو كأنه هام وهم ينتقلون بين بنود أجندة الاجتماع. ولكن أغرب ما كان يحدث لى فى هذه الأثناء هى حالة النعاس التى كانت تنتابنى والرغبة الشديدة فى النوم وكأننى وقعت تحت تأثير مخدر. فى هذه اللحظات كنت مستعداً دائماً للتنازل عن بدل السفر وأن أدفع فوقه كل ما أملك مقابل أن يتركونى أنام. حقيقة لا أدرى لماذا فى هذه الاجتماعات بالذات كانت تأتينى هذه الرغبة الحارقة فى النوم وذلك على الرغم من أننى فى الظروف العادية قد أظل بالسرير لساعات قبل أن يتعطف النوم ويزورنى.. هل يا ترى هى الأحاديث الخالية من المعنى هى التى تدفعنى للهرب واللجوء للنوم؟ لا أدرى، ولكنى أدرى أن أجمل الأمنيات التى كانت تطوف بخيالى وقتها هى أن أصعد على طاولة الاجتماعات وأزيح الأوراق والميكروفونات وزجاجات الماء وأن أفرد نفسى على الطاولة وأتوسد ذراعيّ ثم أنظر إلى الحضور وأوزع عليهم ابتساماتى ثم أتركهم وأروح فى النوم غير عابىء بأى شىء فى الوجود. وكثيراً ما تساءلت فى إحباط إذا كانت ظروف الحياة ستسمح لى يوماً أن أركل التعقل وأن أحقق هذه الأمنية؟ من المؤكد أننى يومها سأتوج نفسى ملكاً استطاع أن يستغنى عن البشر وأن يعلو فوق تفاهاتهم ويستهن بأجندتهم الخطيرة!.لكنى عند هذه النقطة كنت أخاف لو أن فعلتى هذه أشعرتهم بالإهانة فمن السهل عندئذ أن يطلبوا لى مستشفى المجانين وأن يشهدوا جميعاً ضدى!.و قد دفعنى الفضول ذات أمسية بعد أن فرغنا من العمل إلى أن أحكى لرفاق المؤتمر عن أمنيتى العزيزة، والحقيقة أننى ذهلت من غرابة ما سمعت إذ كان لكل منهم أمنية أعجب من الأخرى بعضها يندرج تحت بند الفعل الفاضح، وهو الأمر الذى أراحنى وطمأننى على نفسى..و مع ذلك فإننى لا آمن لهؤلاء المختلين الذين لن يترددوا عن وضعى بالسرايا الصفراء لو أننى تشجعت وأخذت تعسيلة فوق الطاولة فى وجودهم!.
"المصري اليوم"