أسامة غريب
مشروعات الخير صارت مثل كل شىء في مصر.. مخلوطة بالفضلات، ملوثة بالسُحت مشوبة بالعك. إحدى الجمعيات التي تملأ الدنيا بالإعلانات عن مشاريعها العظيمة في خدمة الغلابة، وحملات تسولها واستجدائها من أجل هذا الهدف النبيل.. هذه الجمعية قامت بمشروع تم بمقتضاه منح سيدات فقيرات في قرى الصعيد الجوانى جاموسة لكل واحدة منهن ترعاها وتحلبها وتستخرج منها الجبن والزبد، وتبيعه لتنفق على أسرتها. من المعلوم طبعاً أن الأموال التي مولت شراء الجاموس هي أموال أهل الخير من المتبرعين الذين تأثروا بالحملات الإعلانية.. يعنى لا هي أموال صاحب الجمعية ولا أموال أمه وأبيه، ومع ذلك فقد وجدت الجمعية من جسارة القلب ما دفعها لنسيان الرسالة السامية التي يفترض أنها تحملها على ظهرها لتتسول بها من أهل الخير، وأبرزت أنيابها للنسوة الفقيرات اللاتى نفقت منهن البهائم وماتت الجواميس بسبب قلة الخبرة وأمراض الماشية التي لم تجد من يسعفها..
ماتت الجاموسة فأصبحت صاحبتها مدينة بثمنها للجمعية، ولم تتوان الأخيرة عن استصدار أحكام قضائية بحبس النسوة اللواتى هربن وغادرن القرى لعجزهن عن السداد. وهنا يثور سؤال عن جمعيات من هذا النوع.. كيف يطلق عليها جمعيات خيرية إذا كان كل ما تقوم به هو التسول ثم إقراض المال الذي حصلت عليه للغلابة لا منحهم إياه؟.. ما دام المال مال الله وليس مال البنوك فكيف تقومون بإقراضه للناس كما لو كنتم نادى باريس أو أحد البنوك التجارية؟ أما لو كنتم واحدة من المؤسسات القائمة على إقراض الفقراء قروضاً حسنة بدون فوائد لمساعدتهم على البدء في مشروعات يتكسبون منها، وهذا النوع بالمناسبة موجود في دول كثيرة.. أقول لو كنتم من هذا النوع فلا يجب أن يكون اعتمادكم الأساسى في الحصول على المال من المتبرعين الذين جلهم أقرب إلى الفقر أصلاً.. أما وأنكم لعبتم هذه اللعبة فلا أظن أنه يحق لكم أخذ مال الناس ثم إعطاؤه لأناس أفقر مقابل إيصالات أمانة وأوراق ضد!.. كان الأولى بكم أن تمنحوهم مما أعطاكم الله، خاصة أن السادة المحسنين الذين أعطوكم الفلوس لم يعطوها لكم سلفاً وديناً ولم يطلبوا ردها لهم من جديد، ولا علم لديهم أنكم ستتعاملون بها كما لو كانت فلوس أهاليكم!
لقد أصبح التسول بعاهات المرضى ظاهرة قبيحة قذرة تمتلئ بالقيح والصديد وتثير في النفس كل معانى القرف، وصارت إعلاناتها أقرب إلى الحملات الممنهجة التي تقوم بها الشركات الدولية عابرة القارات للسيطرة على وعى وذوق المستهلك.. لقد أصبحت الدار التي تقوم بإعلانات جذابة أكثر هي التي تحصل على أموال أكثر، بينما وقع المستشفى أو الدار التي لا يفهم أطباؤها إلا في الطب وخدمة المرضى ضحية جهل القائمين عليها بالحملات الإعلانية رغم أنها هي التي تقوم في الواقع بخدمة المرضى الفقراء، بينما العلاج تحت أضواء الكاميرات ليس سوى ضرب من الأونطة والشطارة والبَكَشْ.
الأنكى في موضوع الجمعيات الخيرية التي تقرض النساء بإيصالات، أن هاتيك النسوة الهاربات من تنفيذ أحكام بالسجن نتيجة العجز عن سداد قروض الجمعيات الخيرية سوف تنشق الأرض من أجلهن عن جمعيات خيرية جديدة تقوم بحملات تسول من أجل سداد ديون الغارمات اللواتى فشلن في سداد قروض جمعيات شقيقة!.. ولو كان لدى فتحية لموناتة حنجرة سليمة لأسمعتكم ما تكرهون!